السؤال علامة صحية، فهو من جهةٍ يدلُّ على أن صاحبه مشارك للمعرفة وليس متلقِّيًا وحافظًا لها، والمشاركة تعني التفاعل مع مكتسبات معرفية من أجل الوصول إلى الفهم، ويدلُّ من جهة ثانية على تلمُّس الذات وبداية الإحساس بها، ومن جهة ثالثة على تفعيل الأدوات المعرفية التي وهبنا الله إياها، ومنها العقل الذي لا يمكن أن نشعر به إلا إذا فكَّر وسأل.
لا شكَّ أن كل إنسان قد طرح، في حياته المبكِّرة وهو يستقبل الحياة والأشياء المختلفة من حوله، مجموعةً من الأسئلة من أجل ألفة هذا الشيء الغريب الغامض، حتى إذا ألفه انطفأ السؤال، واشتعل في منطقة أخرى، وربَّما أرَّقه سؤال البداية ليقوده فيما بعد إلى آفاق معرفية لا تنتهي.
المشاركة والتفاعل وتلمُّس الذات وتفعيل العقل علامات على الشخصية التي تريد الخروج من حالة التلقين إلى حالة الفهم والتكوين، وأكثر الشخصيات إثارة للأسئلة هم الأطفال.
ينطلق الطفل في ميدان السؤال ليطرح كلَّ ما يغمض عليه دون تحفّظ أو خوف من أحدٍ، فهو ينطلق على فطرته، طارحًا أسئلته حول كل شيء يراه مستغلقًا على فهمه، وخاصة فيما يعرف بالأسئلة الوجودية، تلك التي تشكّل قلقًا لدى بعض الكبار من أن ينزلق بهم هذا الطفل إلى مناطق لا يستطيعون العودة منها.
الأطفال إذن يورِّطوننا بأسئلة من قبيل: من أين جئتُ؟ وكيف؟ وأين يذهب الأموات بعد الحياة؟ وما هو الموت؟ وأسئلة تخوض في القضايا الغيبية الشائكة.
إن إهمال أسئلة الطفل، أو التعامل معها بطريقة غير جادَّة إما أن تحيله مستقبلًا إلى شخصية مترددة في كسب المعرفة؛ خوفًا من ردة الفعل السيئة الناتجة عن أسئلته، وبالتالي تتعطل فيه أداة العقل في المناطق التي تشبه أسئلته، ويقبل بالتلقين راحةً واطمئنانًا، وإما أن تترك في داخله حالة مؤجلة من البحث في مكان آخر وزمان آخر؛ لأن شيئًا ما يلحُّ عليه في السؤال مرة ثانية وعاشرة.
تنطلق أسئلة الطفل من خلال ربط معين لما يتلقَّاه مع إدراكه؛ كي يستوعبه، فهو لا يمتلك معرفة سابقة للتعقيدات والرؤى الفلسفية التي خاضها الأقدمون.
إنَّ في داخل كل واحدٍ منَّا أسئلة وجودية كبرى بقيت منذ الطفولة عالقةً، فتبدو في مواجهته المستمرة لها حين تثيرها المواقف والأحداث والقراءات؛ وكأنَّ الإجابات التي تلقَّاها عنها ما زالت غامضة لديه.
أعتقد أنه لا بدَّ من توفير كامل الحرية للأطفال في أن يطرحوا ما يعنُّ لهم من خواطر، ولا بد من العناية بأسئلتهم وأفكارهم، وتوفير الأمان النفسي لهم في الإصغاء لما هو محرج وغريب دون انتهار أو سخرية؛ فالطفل حين لا يجد الأذن المصغية، قد ينصرف للبحث عنها خارج المؤسسة التربوية (الأسرة، المدرسة)، وبعيدًا عنَّا في مواقع إلكترونية قد تكون غير آمنة في أغلب الأحيان.
حسن الربيح، كاتب وشاعر سعودي.
زاوية إطلالة مخصصة لنشر مقالات الكتّاب من خارج أرامكو السعودية.