إضاءة

ذكريات عبرت أفق خيالي

ذكريات عبرت أفق خيالي

منح بيئة العمل الدافئة شعورًا عميقًا بالولاء والانتماء للمكان وإنسانه، حيث تزداد العلاقات الإنسانية ترابطًا وحرصًا على التميّز والإنتاج والإبداع والابتكار، فلا يبقى هناك جهد إلا ويتم بذله بصورة جماعية يتشارك فيها الجميع من أجل عملهم وتحقيق أعلى معدلات الإنتاج فيه. وبهذه الروح  العملية وعلى مدى أعوام العمل يصبح هناك مجتمع لديه كثير من التفاصيل والقواسم المشتركة التي تشكّل شخصية كل موظف وعامل في تلك البيئة.

استعدت تلك الخواطر، وأنا أتلقى اتصالًا من أحد زملاء المهنة الذين طال العهد بهم بعد فراق سنوات عديدة، وطوال المكالمة لم نتوقف عن استعادة الذكريات منذ أول أيامنا في أرامكو السعودية، والتي تعود إلى أكثر من ثلاثين عامًا، وهي فترة طويلة ولا شك، لا بدّ وأن تحتشد بقوائم من الزملاء والرؤساء ومواقع العمل، والتطورات الهائلة في الشركة، وعلى وجه الخصوص النقلة الكبيرة في أداء وأعمال الأمن الصناعي.

كان الجزء الأكبر من ذلك الحديث يتعلق بتأثير أرامكو السعودية في شخصياتنا، وبنائها بصورة صارمة ترتكز على الدقة والالتزام بدءًا من مواعيد الحضور والانصراف، واستكمال الأعمال بكل كفاءة، والتعامل الرصين مع الجميع، وذلك ولا شك ينسجم مع قيم الشركة والتزاماتها عبر عقود في بناء موظفين نموذجيين يعكسون ثقافتها وعمق التزاماتها، ما جعلها مصدر كلّ خيرٍ للفرد والمجتمع والوطن ككل.

كان اتصال زميلي ذاك ذا شجون، وتشعّب الحديث إلى أن ألقى على سمعي ما هزّ وجداني حين أخذ يعتذر مني ويطلب العفو و"السموحة" والستر عن أيّ خطأ أو زلة لسان أو فعل أو نظرة أو إيحاء بقصد أو بغير قصد في العمل، ليخبرني بعدها بأنه تقاعد عن العمل في الشركة. 

وللحقيقة، فإنني طوال سنوات خدمتنا معًا لم أجد منه إلا كلّ خيرٍ، وكان لي هو وكثير من الزملاء بمثابة الإخوة في منزلٍ واحدٍ، بل إنني أعدّ هذه السنوات من أغلى وأثمن سنين عمري في أرامكو السعودية مع مثل هؤلاء الرجال الأوفياء المخلصين.

بالنسبة لي ولبقية الزملاء، وأفراد أسرنا، كانت أرامكو السعودية ولا تزال، بمثابة الأم التي احتضنتنا ورعتنا حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه من درجة عالية من الوعي بشؤون الصحة والسلامة وأساليب التعامل مع الآخرين، حتى بلغ بنا الأمر أن نشعر أننا نعمل في أرامكو السعودية الجامعة وليس أرامكو السعودية الشركة، وذاك شعور مذهل منبعه المثابرة والإخلاص وحب العمل والعطاء حتى أصبحنا نوقّر كل ما يحمل اسم أرامكو السعودية ونحتفظ به حبًا لهذه الشركة وعرفانًا بجميلها علينا.

ولا أخفي أنني تأثرت لذاك الوداع لدرجة أن عينيّ ذرفتا الدموع لفراق هذا الزميل الوفي الذي كان نموذجًا يُحتذى به في العمل والإخلاص والأمانة، غير أن عزاءنا كان في عهدٍ قطعناه على بعضنا بعضًا بأن تستمر علاقتنا وتواصلنا لتبقى صداقتنا ووفاءنا إلى ما شاء الله.

 

ترحب القافلة الأسبوعية بمشاركة الموظفين في الكتابة لزاوية إضاءة، وذلك لتعميم الفائدة من خلال ما يطرح فيها من أفكار متنوعة تعبّر عن آراء كتّابها.
Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge