« راحوا جيل الطيبين » ، دائمًا ما تتردد هذه العبارة كردة فعل على أي حدث قد لا يتسق مع الأعراف السائدة أو النمط الاجتماعي، أو للتعبير عن التحولات الاجتماعية التي لا تروق للبعض، ورغم ما فيها من قسوة على هذا الجيل، فإنها صارت توصيفًا ملازمًا للجيل السابق. نعم في العبارة قسوة، فهل يعني توصيف الجيل السابق بأنه «جيل الطيبين»، أن هذا الجيل جيل أشرار لا يحملون الخير ولا الطيبة، وكله خطايا؟
أظن أن كل جيل يرى في من قبله «جيل طيبين»، وتتوالى الأجيال لتتوالى معها هذه الصورة النمطية، التي يكون مردها غالبًا إلى الصراع بين الأجيال، جيل الآباء وجيل الأبناء، وحتى هؤلاء الآباء كانوا في صراع مع الأجداد، وهكذا لا ينتهي الصراع أبدًا.
حينما يتحدث أحد الآباء عن الماضي، يتحدث عن صور نقية ناصعة. بتنهيدة يتحدث غالبًا عما مضى، وغالبًا ما يصور لنا الماضي بأنه زمن الطيبة والنقاء، زمن بلا أخطاء، ويقارنه بالحاضر الذي تغير فيه كل شيء، تغيرت سلوكيات الناس وعلاقاتهم، فاختفت الرحمة والرأفة. كل شيء جميل في الماضي، وكل شيء بلا طعم ولا نكهة الآن.
في المستقبل، سيروي أبناؤنا أيضًا عن ماضيهم بنَفَس «نوستالجي» فيه الحنين إلى الماضي، وسيخبرون أبناءهم عن كل جميل في هذا الحاضر الذي لا يروق للآباء، وسيتحدثون عن الخير والطيبة والنقاء. إنها متواليةٌ لا نهاية لها.
الحقيقة أن لكل جيل ميزاته، ولكل جيل مثالبه أيضًا، فلا مطلق أبدًا، ولا مدن فاضلة نعيشها، فمنذ بداية الخلق كان هناك الخير والشر، نقيضان لا يخلو مجتمع ولا نفس بشرية منهما، فحتى البشر هم مزيج من الخير والشر، فكيف يكون مجتمع بكامله شريرًا أو خيّرًا! الماضي فيه الحلو والمر، كما أن للحاضر حلوه ومره.
التعايش بين الأجيال والقبول هو ما يخفف من وطأة الصراع، واستيعاب أثر التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية على الجيل، وأن للجيل الحاضر متطلباته ورغباته وحاجاته، يمكن أن يهدئ من روع جيل الآباء إزاء هذا الجيل، ويجعلهم يرون الطيبة فيه أيضًا كما يرونها في جيلهم. وهذا أيضًا يجعل جيلنا الحالي لا يرى في الآباء «دقة قديمة»، أو أنهم لا يحسنون صنعًا ولا يملكون القدرة على مواكبة الجديد، أو أنهم مجرد وصاة وليسوا آباءً قلقين.
كل جيل هو «جيل طيبين»، فالطيبة هي الغالبة على السلوك الإنساني، والإنسان بطبعه طيب. أما الحنين إلى الماضي فلا بأس به، فالحنين علاج للأرواح المتعبة.
عباس الحايك، كاتب مسرحي سعودي.
زاوية إطلالة مخصصة لنشر مقالات الكتّاب من خارج أرامكو السعودية