رحلة المواد الهيدروكربونية في أرامكو السعودية.. (5/ 10)

أعمال خطوط الأنابيب.. إدارة شرايين الطاقة ورعاية البيئة

أعمال خطوط الأنابيب.. إدارة شرايين الطاقة ورعاية البيئة

هذه القصة، التي تُنشر في عدة أجزاء، تسلِّط الضوء على ما وراء الستار في رحلة المواد الهيدروكربونية في أرامكو السعودية، بدءًا من المكامن وحتى نهاية الرحلة.

 

بحرٌ من الكثبان الرملية ذات اللون البني المحمر يمثل أمام مرأى المشغل الميداني، عبدالله الفضلي، وهو يغادر سيارته متجهًا إلى مجمع لخطوط الأنابيب في منطقة صحراوية نائية.

وعلى حذائه الأسود الطويل المغطى بطبقة واقية من المعدن، تلمع أشعة الشمس الساطعة في الصباح الباكر، بينما يشرع هو وزميله بإجراء فحص روتيني لمجمع خطوط الأنابيب (عند النقطة 9.8كيلومتر) في حقل الشيبة النفطي، إلى جانب نقاط التقاطع الأخرى المتفرقة على امتداد خط الأنابيب، الذي يمتد لمسافة 645 كيلومترًا.

مناخٌ صحراوي

وفي صحراء الربع الخالي الشاسعة، وبالتحديد في حقل الشيبة، تتجلى أكبر مساحة رملية في العالم بطبيعتها المذهلة، ومناخها القاحل القاسي في مشهد مهيب.

الصحراء هي بيئة عمل الفضلي، وهي بيئةٌ قد تكون قاسية على من يفتقر إلى الخبرة الكافية؛ ومهمة القيادة لمسافات طويلة، لتفقد خطوط أنابيب النفط الخام وسوائل الغاز الطبيعي، تتطلب درجة عالية من الاعتماد على النفس، والقدرة على التكيف.

الفضلي هو أحد أعضاء فريق خطوط الأنابيب في أرامكو السعودية، الذي يعمل أفراده عبر أرجاء المملكة، ويسعون لضمان رحلة خالية من المشكلات والانبعاثات للمواد الهيدروكربونية عبر الأنابيب.

وقد التحق الفضلي بالعمل في حقل الشيبة عام 2015م، بعد إكماله لبرنامج التدريب الصناعي في أرامكو السعودية. يقول الفضلي معربًا عن فخره بإتقانه لعمله: «أشعر بالراحة في الصحراء؛ قبل انضمامي لأرامكو السعودية، علمني والدي قيادة السيارة في الصحراء، وخلال ستة أعوام من العمل في الشيبة، لم أعلق في الرمال أبدًا».

نقل المواد الهيدروكربونية

وتستعين أرامكو السعودية بشبكة واسعة من خطوط الأنابيب لنقل المواد الهيدروكربونية إلى وجهات مختلفة، وهذه الشبكة تربط المنتجات بمرافق متعددة لمعالجتها أو تكريرها، كما تنقلها إلى المستهلكين المحليين أو فُرَض التصدير.

وتحرص الشركة في أعمالها منذ عقود على العمل بأفضل ممارسات الأعمال التي تتضمن الكشف والصيانة الوقائية للمحافظة على سلامة الأنابيب، فالعناية بخطوط الأنابيب تعود بالفائدة على الأعمال والبيئة على حد سواء. كما أن المحافظة على التدفق السلس عبر الأنابيب يُعد إجراءً رئيسًا للحد من الانبعاثات الكربونية المسببة للاحتباس الحراري.

ثلاثة خطوط رئيسة

وعندما يبدأ الفضلي بإجراء الفحص الروتيني لمجمع الأنابيب (عند النقطة 9.8كيلومتر)، تمتد أمامه ثلاثة من خطوط الأنابيب المتجهة إلى المساحة الذهبية الشاسعة نحو الشمال.

هذه الخطوط هي أنابيب فولاذية كربونية مطمورة، يبلغ عرض اثنين منها 46 و30 بوصة، ويمتدان على مسافة 645 كيلومترًا، حيث ينقلان النفط الخام عبر صحراء الربع الخالي، إلى قلب المنطقة الصناعية النفطية في بقيق. وبمحاذاة هذين الخطين، هناك خط أنابيب آخر مطمور بعرض 36بوصة، ينقل سوائل الغاز الطبيعي.

وعلى امتداد خطوط الأنابيب، توجد وحدات تحكم فرعية مجهزة بآلات متطورة، تفصل بين كل منها مسافة 100كيلومتر.

وتُرسل هذه الوحدات قراءات التشغيل في خطوط الأنابيب، بما فيها التدفق والضغط والحرارة، إلى مركز التحكم في أعمال أرامكو السعودية؛ حيث إدارة تخطيط وتنظيم توريد الزيت في مقر الشركة الرئيس بالظهران.

اتحاد الإنسان والتقنية

وتجمع أعمال الإنتاج في حقل الشيبة، الذي يُعد أحد أكبر الحقول النفطية في العالم، بين الاستفادة من التقنيات المتقدمة، والاعتماد على منهج أرامكو السعودية الثابت على مدى عقود من الزمن والمتمثل في الأخذ بكافة الاحترازات اللازمة في بيئة العمل.

وعلى سبيل المثال، يشير الفضلي إلى علامات الطريق الصفراء مثلثة الشكل، الموضوعة عند كل كيلومتر من خطوط الأنابيب الرئيسة، ويضيف قائلًا: «لدينا عديدٌ من أجهزة الاستشعار في مواقع محددة، وهي تساعد في الكشف عن مواطن التسرب والخلل على مدار الساعة».

ويبدأ الفضلي جولته التفقدية لمجمع الأنابيب من السياج المحيط، ثم يتفقد تدريجيًا جميع المعدات في الموقع، بما فيها أجهزة قياس الضغط والحرارة، وأجهزة الاستشعار الإلكترونية، التي تراقب خط أنابيب سوائل الغاز الطبيعي ووصلة التحويل الخاصة به لأغراض السلامة.

وتجمع إدارة تخطيط وتنظيم توريد الزيت البيانات من آلاف وحدات التحكم الفرعية عبر كافة مرافق الشركة، بما فيها خطوط الأنابيب، بحيث يتمكن الموظفون هناك من اكتشاف أي خلل عند حدوثه، وتنفيذ مجموعة من الإجراءات التصحيحية في غضون بضع دقائق.

يقول الفضلي: «توجد هنا عديدٌ من الأجهزة التي تغذي مركز إدارة تخطيط وتنظيم توريد الزيت بالبيانات، وعندما يلوح أي مؤشر للإنذار، تعلم الإدارة بذلك مباشرة».

طاقةٌ متجددة لحفظ النفط الخام

يؤدي استخدام الطاقة المتجددة إلى الحد من الانبعاثات الكربونية المسببة للاحتباس الحراري، كما يحفظ الموارد الهيدروكربونية الثمينة، بحيث تُستخدم على نحو أفضل من الناحية الاقتصادية.

وتستخدم أرامكو السعودية أنظمة الطاقة المتجددة في المباني المكتبية ومرافق الأعمال، كما ركبت في يناير من عام 2017م أول توربينات رياح في المملكة، وذلك في مستودع المنتجات البترولية في طريف.

وفي 26مجمعًا رئيسًا لخطوط الأنابيب ضمن حقل الشيبة، توفِّر الألواح الشمسية الطاقة اللازمة لعمل الصمامات، وأنظمة الإنارة، ووحدات التحكم الفرعية، وغيرها من المعدات. كما تمتلك الخلية الكهروكيميائية التابعة لنظام الحماية الكاثودية ألواحًا شمسية خاصة بها، بحيث تُسهم في الحد من التآكل في خطوط الأنابيب.

يقول الفضلي: «الحرص على تدفق سلس للمواد عبر خطوط الأنابيب ذو أثر إيجابي على البيئة؛ جميعنا نعيش على هذا الكوكب، وينبغي أن نحافظ عليه بطريقة ملائمة لا تتسبب في أي أضرار».

الأنابيب.. وتعزيز الاقتصاد الدائري

تُرسل معامل فرز الغاز من الزيت في الشيبة الغاز الغني المفصول عن النفط الخام إلى معمل استخلاص سوائل الغاز الطبيعي في الموقع.

وبعد إزالة سوائل الغاز الطبيعي عالية القيمة، يعيد المعمل ضغط الغاز الفائض المحتوي على كبريتيد الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون وغازات أخرى، ويُنقل عبر الأنابيب لإعادة حقنه في المكمن.

ويُسهم هذا الأمر في تقليل الانبعاثات الكربونية المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، كما يساعد أيضًا في المحافظة على الضغط في المكمن.

ويُعد أسلوب الحقن، الذي يكون عادة باستخدام الماء، أحد الطرق التي تحفظ الضغط الطبيعي للمكمن؛ لكن الماء شحيح في موقع حقل الشيبة الصحراوي.

وتمثل إعادة الغاز الفائض إلى المكمن مكسبًا للبيئة وقطاع الأعمال على حد سواء.

ومن البداهة أن هذا الأمر لا يمكن له أن يتحقق دون وجود أنابيب ممتدة بين المرافق.

نقل المواد الهيدروكربونية

تسفر معايير التشغيل عالية المستوى في أرامكو السعودية تُسفر عن خفض كثافة الكربون في أعمالها. وخطوط الأنابيب الممتدة عبر المملكة هي جزء من هذه الرحلة، حيث تنقل ما تُنتجه الشركة من النفط الخام والمكثفات والغاز الطبيعي وسوائل الغاز الطبيعي، على وجه آمن وسلس.

وتتضمن خطوط الأنابيب الرئيسة التي تربط ما بين المناطق المختلفة كلًا من: خط أنابيب المملكة-البحرين، وخطوط الأنابيب شرق-غرب للنفط الخام والغاز الطبيعي وسوائل الغاز الطبيعي المتجهة إلى ينبع على البحر الأحمر.

وقد كان خط أنابيب سوائل الغاز الطبيعي الذي يربط بين ينبع وشدقم أطول خط من نوعه وأكثر الخطوط استفادة من التقنيات المتقدمة، حيث يبلغ طوله 1170 كيلومترًا.

تفكيرٌ مبتكر لخطوط الأنابيب

التآكل مشكلة عالمية، حيث تُقدَّر التكاليف الناتجة عنها على مستوى العالم بما يقرب من 2.5ترليون دولار.

وتتسبب مكونات سوائل النفط المعتادة، وغاز كبريتيد الهيدروجين، وثاني أكسيد الكربون، وحتى البكتيريا في حدوث التآكل، مما يعرِّض سلامة خطوط الأنابيب وأمانها وموثوقيتها للخطر مع مرور الوقت.

وتحدُّ العناية الشاملة بالأنابيب، عبر الفحص والكشف والتصحيح والوقاية، من مخاطر التآكل وتكاليفه.

إلى جانب ذلك، تفتح تطبيقات الأنابيب اللامعدنية المقاومة للتآكل آفاقًا جديدة أمام مستقبل خطوط الأنابيب في أعمال إنتاج النفط.

هذه المواد المتطورة المستدامة، والأخف وزنًا مقارنة بنظائرها التقليدية، دخلت حيز الاستخدام في معظم مرافق أرامكو السعودية منذ أكثر من عقدين من الزمان، وذلك في سبيل مكافحة التآكل.

ولإجراء الأبحاث حول التقنيات المرتبطة بهذه المواد، افتتحت أرامكو السعودية مركز الابتكار للمواد اللامعدنية في المملكة المتحدة في عام 2019م.

Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge