رحلة المواد الهيدروكربونية في أرامكو السعودية.. (3/ 10)

من جوف الأرض إلى فوهة البئر.. استخراج النفط وفق معايير السلامة وحماية البيئة

من جوف الأرض إلى فوهة البئر.. استخراج النفط وفق معايير السلامة وحماية البيئة

هذه القصة، التي تُنشر في عدة أجزاء، تسلِّط الضوء على ما وراء الستار في رحلة المواد الهيدروكربونية في أرامكو السعودية، بدءًا من المكامن وحتى نهاية الرحلة.

 

منذ عام 1947م، تنتج فوهة بئر بقيق–37 النفط الخام بثبات واستمرار، حيث يتدفق إلى السطح من مكامنه في حقل بقيق النفطي.

صرح الإنتاج هذا يبلغ من العمر 74 عامًا، لكن تقادم الأعوام لا يمنع مجموعة الصمامات ورؤوس التوصيل المتصلة به فوق سطح الأرض من أن تضج بالحياة.

وتُعد هذه البئر شاهدًا حيًا على حرص أرامكو السعودية على صيانة البنى التحتية للإنتاج على مدار العقود الماضية، وفق نموذج أعمال يُسهم في المحافظة على البيئة ويحقق الأرباح في الوقت نفسه؛ فالصيانة الجيدة لمرافق الأعمال تؤدي في نهاية الأمر إلى تجنُّب انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

السيطرة على التسرب والانبعاثات

تبدأ رحلة معالجة المواد الهيدروكربونية عندما تصل سوائل النفط إلى نقطة الاستخراج، حيث فوهة البئر. وعند وصولها إلى السطح عبر ثقب الحفر، تكون هذه السوائل، التي تشتمل على النفط والغاز المذاب والمياه المالحة وكبريتيد الهيدروجين، تحت عرضة ضغط هائل.

فوهة البئر تشبه غطاء الحاوية المغلق بإحكام، حيث تقبع فوق عمود طويل من الأنابيب الموصولة والمثبتة بطرفها والممتدة عبر ثقب الحفر، والغرض الرئيس منها هو ضبط الضغط الطبيعي ومنع السوائل من التسرب. ومن دون فوهات الآبار يتسرب النفط إلى السطح وينتشر الغاز عبر الهواء.

وتُجهَّز فوهات الآبار بمجموعة من الصمامات، التي تهدف إلى ضمان السلامة، والحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

ويُعد البطء والثبات عاملين مثاليين لتدفق النفط الخام، وتُسهم معدات التحكم فيكبح السوائل والتحكم في ضغطها على النحو المأمول.

عناية دؤوبة ومدروسة

تحت حرارة صحراء الدهناء في شرق المملكة، يمسك عبدالعزيز عسيري بمفتاح الربط لإجراء الصيانة لوصلة ربط متصلة بفوهة البئر رقم- 593، حيث يتأهب لوضع مسامير التثبيت في مواضعها.

يقول عسيري: «الطقس حار في الفترة من يونيو لغاية سبتمبر، ويمكن للعواصف الترابية إغلاق الطرق غير المعبدة، وتغطية فوهات الآبار. لكننا نسعى على الدوام للتغلب على تلك المشكلات».

عسيري التحق بأرامكو السعودية بعد إتمامه للمرحلة الثانوية، حيث يعمل منذعشرة أعوام مشغلًا ميدانيًا في إدارة الإنتاج في شمال الغوار، وهي مسؤولة عن حقول النفط في الدمام وبقيق وفزران، وعن الجزء الشمالي من حقل الغوار.

ومن المهام الرئيسة التي يقوم بها عسيري تفقد فوهات الآبار، لضمان وصول النفط الخام إلى السطح دون معوقات، وبأقل قدر ممكن من الانبعاثات.

حماية الناس والبيئة

وتتضمن أعمال تفقد فوهة البئر الجولة الميدانية لمعاينة المعدات والتأكد من سلامتها، إلى جانب تفقد المنصة، وأجهزة الاستشعار الإلكترونية، وأجهزة قياس الضغط لخطوط التدفق، وأجهزة الإنذار الخاصة بكبريتيد الهيدروجين، والصمامات المنظمة. كما أن هناك أيضًا إجراء تشحيم الصمامات، وفحص طبقات أغلفة الأنابيب، واختبار نظام السلامة الرئيس والجوفي، وجمع عينات النفط، وغيرها.

وعند مغادرتنا لفوهة البئر رقم-593، المحاطة بسياج لحماية البيئة النباتية والحيوانية، نمر بواحد من 15 معملًا لفرز الغاز من الزيت، حيث تُستخرج المياه ومعظم الغازات المذابة، قبل إرسال الزيت المعالَج إلى معامل بقيق، والغاز إلى معامل الغاز في البري وشدقم.

ويوضح عسيري أن أعمال التفتيش والصيانة المنتظمة لفوهات الآبار تضمن المحافظة على السلامة والموثوقية، مضيفًا بقوله: «نقوم بتفقد جميع المعدات للتأكدمن سلامتها بهدف حماية البيئة والناس».

جديرٌ بالذكر أن الآبار المعزولة بالسوائل والإسمنت هي الأخرى تُفحص بانتظام.

خطة العمل في الصحراء

ويمضي عسيري معظم يومه في الصحراء؛ يأتي إلى المكتب في الساعة السابعة صباحًا ليستلم مذكرة العمل ويناقشها مع رئيسه قبل الانطلاق في رحلته.

يقول عسيري: «يُصدر مهندس الإنتاج تعليماته بشأن القيام بمهام مثل إعادة ضبط منظم التدفق للتحكم في الضغط».

ولضمان السلامة أثناء السفر وأداء المهمة على الوجه الأكمل، يستخدم عسيري تطبيق أرامكو السعودية للملاحة على الأجهزة الجوالة، المخصص للعاملين الميدانيين.

يقول عسيري في هذا الصدد: «لا يمكنك أن تكون وحيدًا في الصحراء، لذلك يجب توثيق الرحلة، والسفر مع زميل آخر».

ويقوم مركز دعم الأعمال الميدانية المؤسس حديثًا في إدارة الإنتاج في شمال الغوار بمتابعة مثل هذه الرحلات.

ويمكن للتخطيط للسفر في الأماكن النائية الحد من الأضرار المحتملة على الصحراء، وخفض تكاليف الطاقة والصيانة والإصلاح، مما يقلل من الأثر على البيئة ويخفض كلفة الأعمال.

استثمار تقنيات المستقبل

وتقع فوهة البئر-593 في قلب المنطقة الصناعية في بقيق على بُعد حوالي 50 كيلومترًا من الخليج العربي، وفيها يقع أكبر مرفق لتركيز النفط الخام في العالم؛ المرفق الذي انطلقت أعمال التشغيل فيه قبل أكثر من سبعة عقود.

وإلى جانب الصيانة الدقيقة والمستمرة، هناك حرص على الاستفادة من تقنيات على درجة عالية من التطور. وترسل فوهات الآبار البيانات المرتبطة بالتشغيل مباشرة إلى وحدة التحكم الطرفية، التي بدورها ترسل تلك البيانات إلى مراكز رئيسة في معامل فرز الغاز من الزيت.

وبالاستفادة من حزمة من البرمجيات والأجهزة والبنى التحتية للاتصالات، تقوم عديد من عيون المراقبة الإلكترونية باستشعار أمور ذات صلة وثيقة بالسلامة، مثل الفراغات في الأنابيب أو الأغلفة، إلى جانب التقاط مؤشرات التدفق.

وتُعد مبادرة تحسين كفاءة الطاقة إحدى المبادرات الهادفة إلى تحقيق التحول نحوالاقتصاد الدائري في دائرة أعمال الزيت في منطقة الأعمال الجنوبية. كما اضطلعت الدائرة بمسؤولية قيادة مبادرة أرامكو السعودية لزراعة مليون شجرة، إلى جانب خدمات أحياء السكن وحماية البيئة.

وأظهرت نتائج مبادرات البيئة في منطقة خريص التابعة للدائرة أن تقنيات ومنتجات الري الموفِّرة للمياه، والتي استُخدمت في زراعة الأشجار الجديدة، حققت خفضًا كبيرًا في كميات المياه المستهلكة، وتركت أثرًا إيجابيًا على نمو النباتات. 

بئر الخير

عقب ما يقرب من خمسة أعوام من الجهود المضنية، وبعد عدة بدايات متعثرة أوشكت معها الآمال أن تضمحل، وصلت برقية بتاريخ الرابع من مارس لعام 1938م إلى مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، لتزف الخبر السار بشأن إنتاج بئر الدمام-7 للنفط بمعدل 1585 برميلًا في اليوم، وذلك عقب الوصول إلى عمق 1440 مترًا في جوف طبقة جيرية مسامية، فيما عُرف بعد ذلك بالمنطقة الجيولوجية العربية.

فوهة تلك البئر فتحت الباب أمام إنتاج النفط بكميات تجارية في المملكة، ومهَّدت الطريق أمام الشركة لتصبح أكبر شركة منتجة للنفط على صعيد العالم. وفي عام 1982م، بعد 45 عامًا من الإنتاج المستمر، أُوقف الإنتاج في بئر الدمام -7.

Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge