إطلالة

دعوا معارفكم تتخطى مكاتبكم!

دعوا معارفكم تتخطى مكاتبكم!

في حوار ماتع مع أحد مسؤولي تقنية المعلومات، حدّثني عن مفهوم سمعته لأول مرة، ويبدو أنه رائج في عالم البرمجة والأمن السيبراني، ألا وهو «الهندسة الاجتماعية»، وكيف أن المخترق الأمني قد يتواصل معك لينال ما يستطيع مما يسهّل عليه مهمة اختراق حسابك على الإنترنت.

لاحقًا، تحدثنا عن المفارقة في كون الاستيلاء على بيانات البعض والتعدي على خصوصياتهم يحدث أحيانًا برغبة منهم، وإن لم يعوا ذلك ويدركوه. ولأن معظم كتب التنمية البشرية لا تكاد تخلو من موضوع التعرف على الآخرين وكسب ودهم- على اختلاف الغاية طبعًا-، فقد تساءلتُ عمّا إذا كان بالإمكان استخدام هذه القدرات بما وصلت إليه من تقدم في غاية تكوين العلاقات، خاصة مع انكفاء الإنسان المعاصر على ذاته في حضور صندوقه الأسود، أي الهاتف المحمول.

أحيانًا، قد يختلط علينا الغرض من علم أو أداة ما وحصرها في مجال العمل، وذلك لربط أغلبنا العمل بفترة محددة تنتهي وبعدها يُنسى العمل بما فيه ويبدأ وقت الأمور الأخرى من التزامات ووقت عائلي وما شابه. لكننا في واقع الأمر لانذكر في سيرنا الذاتية أننا أمضينا آلاف الساعات في العمل منضبطين في مواعيد الدخول والخروج، بل الإنجازات والمهارات المكتسبة خلال تلك الفترة، فهي ما سيعين حتمًا على المهمات القادمة وما سيحدد أهليتك لممارسة عمل ما في منشأة لا تعرف عنك شيئًا.

لكن، ماذا لو فعّلنا المهارات التي اكتسبناها في حياتنا؟ والحديث هنا ليس عن مجال العمل الحر بل الحياة اليومية. على سبيل المثال، لو أن كل محاسب اهتم بشؤون ما يكسبه وما يصرفه على الصعيد الشخصي لاستفاد كثيرًا مما يفيد به غيره كل يوم، بل إن حياتك اليومية أحق بأبسط المهارات التي تتعلمها بحكم ضغط العمل مثل تنظيم الوقت أو ترتيب الأولويات والمهام؛ ففي النهاية، تسوق أغراض البقالة مهمة أيضًا، وأنت أحق بوقتك من الجميع سواء في تنسيق مواعيدك أوالتخطيط لأولوياتك بفضل ما تكتسبه وتضعه ضمن «السليقة» المهنية.

أخبرني أحد الأصدقاء – وهو في قسم المشتريات – أنه يتحرى فترات الخصومات ويضع لها مؤقتات محددة ويستخدم حيل التفاوض في بعض المشتريات الكبرى مع الموردين الموجودين في السوق مثلما يعمل لصالح شركته من أجل أن يوفر ما ينفقه، وقد أطلعني على ما وفّره من وقت وجهد ومال لصالحه الشخصي فأذهلني ما رأيت. أما صاحبنا – مسؤول قسم تقنية المعلومات – فيضطلع بجديد ما يعرفه في شؤون الأمن والحماية على صعيد عالم التقنية فيما يتعلق بتطبيقات الهاتف المحمول، فيبين عيوبها وينصح بما يحد من أذاها على مستوى الأصحاب والأسرة، في حين خصص أحد المهندسيين الكيميائيين، وهورئيس قسم في الشركة التي يعمل فيها، فترة من الوقت لإعطاء حصص تسهلا لعلوم الطبيعية على أفراد مجتمعه من الشبان خلال وقت فراغه.

الحياة والتزاماتها تؤتي أكلها بما يستحق تفعيله من أجل معيشة أفضل، فلا أهم من الأسرة بوصفها «شركة» عمر، ولا أحق بالأمان ويسر الحياة من مجتمع ووطن لطالما أعطى دون أن يطلب، ولا ريب في أن نقل خبرات الحياة للغيرسيؤدي بالضرورة إلى تحسين حياة الواحد منا، إما بمنحه منظورًا مختلفًا للحياة وإما بفائدة تتأتى له مما يتعلمه، فنحن في النهاية نتاج ما نكتسبه من أخلاق ومعارف.

 

راضي النماصي، كاتب ومترجم سعودي.
زاوية إطلالة مخصصة لنشر مقالات الكتّاب من خارج أرامكو السعودية.
Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge