إطلالة

أن تكون لك هواية..

أن تكون لك هواية..

«سؤال: ما هوايتك؟ جواب: القراءة»؛ سيناريو معروف حفظه جيل كامل مع بداية تشكل الوعي، ورددوه بلا وعي كما يرددون أسماءهم، فبمجرد سماع السؤال تنطلق الإجابة المتكررة تلقائيًا، لكنها لا تعدو أن تكون محض إجابة مبرمجة غير صادقة بعيدة عن الواقع لدى الغالبية العظمى من الناس.

تختلف وجهات النظر حول الهوايات وتصنيفها في الكماليات أو الضروريات، وهل هي مرتبطة بترف العيش أم بصقل الشخصية، وهل هي نشاط خاص بفئة دون غيرها بحسب الخلفية الثقافية والنوع الاجتماعي والمرحلة العمرية. وهناك من يرى أن الهوايات أنشطة يمارسها الصغار فقط، وآخرون يرون أنها للمثقفين أو لذوي الدخل المرتفع، أما البعض فيراها نشاطًا يمارسه العاطلون.

للكاتبة الأمريكية، فيليس ماكجينلي، مقولة شهيرة: «هواية في اليوم كفيلة بإبعاد الركود»، على سياق المثل الإنجليزي المعروف: «تفاحة في اليوم»، لكن ثمار ممارسة الإنسان صغيرًا أو كبيرًا لأنشطة مختلفة تتعدى شغل وقت الفراغ إلى بناء الشخصية والتخفيف من الضغوط، كما أنها تسهم في بناء المجتمع واستقراره.

وقد أثبتت دراسات علمية عديدة أهمية الهواية للإنسان، منها دراسة نشرتها مجلة كلية الشريعة بجامعة الأزهر عام ٢٠١٩م، تناولت أثر ممارسة الهوايات في تحقيق الاتزان النفسي للفرد والمجتمع، كما بينت أن التراث الإسلامي يدعم ممارسة الهوايات وتوظيفها لرفعة المجتمع، ويعدها مطلبًا شرعيًا لحفظ النفس والعقل. دراسة أخرى بمجلة علوم الرياضة التابعة لجامعة المنيا المصرية وضحت تأثير ممارسة بعض الهوايات على التفكير الابتكاري والنسق القيمي عند الصغار.

وبالعودة للسيناريو المألوف، فالقراءة حقًا سيدة الهوايات لأنها تغذي العقل بالمعرفة والخبرة وتنمي الشخصية. لكن قائمة الهوايات منوعة وطويلة جدًا، وعلى سبيل المثال، ذكرت إحدى المدونات الأجنبية أكثر من ١٠٠٠ هواية بغرض مساعدة الراغبين في التعرف على الهوايات التي تحقق شغفهم. كما تقسَّم الهوايات إلى ثلاث فئات: ذهنية وحركية وإبداعية، لكن هذا لا يمنع أن تندرج هواية ما تحت أكثر من فئة.

لا شك أن اكتشاف ميول الأبناء وتوجيههم لهوايات تناسبهم وتطور شخصياتهم ومهاراتهم منذ الصغر يغرس فيهم الوعي بدور الهواية في رفع جودة الحياة، ويكسبهم في الوقت نفسه مهارات يستفيدون منها في حياتهم الشخصية والعملية.

هناك من يتوافق عمله أو مجال دراسته مع هواياته، لكن من الجيد أن يخوض الإنسان مجالات متنوعة، فكل هواية يمارسها الإنسان تضيف له على الصعيد النفسي والاجتماعي وربما الاقتصادي، وكلما تعددت مجالات الهوايات كان ذلك عبارة عن مكاسب جديدة ومساحات واسعة للفوز بمهارات مختلفة وعلاقات متنوعة.

وقد برز دور الهواية خلال جائحة كوفيد-١٩ وما استلزمته من احترازات نتج عنها أوقات فراغ طويلة عرف خلالها ممارسو الهوايات كثيرًا من المتعة والفائدة، بينما بدأ آخرون في اكتشاف أنشطة تخرجهم من العزلة والملل.

أن تكون لك هواية خارج مجال العمل أو الدراسة أو الواجبات الاجتماعية يعني تحضير خطة مرحلة ما بعد التقاعد، فمهارة شغل أوقات الفراغ بما يحقق الفائدة والمتعة، سيفتح آفاقًا أكثر رحابة للمتقاعدين بصورة تغني حياتهم وتثريها.

 

صباح عبدالكريم عيسوي: كاتبة وأكاديمية في مجال دراسات أدب الطفل.
زاوية إطلالة مخصصة لنشر مقالات الكتّاب من خارج أرامكو السعودية.
Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge