إطلالة

البساط المفترى عليه

البساط المفترى عليه

احتل البساط مكانة ملحوظة في السرد العربي منذ اقترن بالريح في قصة السندباد البحري، فترقّى وحَلّق في ألف ليلة وليلة، وهذا ما جعل البساط مادة قابلة للتوظيف في عدد من الأعمال الفنية مسرحية كانت أم درامية أم سينمائية أم غير ذلك. ولعل أوبريت «بساط الفقر»**، الذي عرض أول مرة عام ١٩٧٩م أحد الأيقونات الباقية في الذاكرة الخليجية لكثرة بثه في القنوات التلفزيونية، وذلك لما يتمتع به من قابلية للاجتزاء، حيث كتبه الشاعر فائق عبدالجليل، رحمه الله، ليكون رحلة تمر بالعراق ومصر ويعود بالتاريخ لمضارب بني عبس، ثم لبنان مختتمًا بالهند.

يمتلك البساط من مفهوم السحرية لياقته العالية، فهو بقدرته على التحليق أصبح نموذجًا للتنقل من مكان لآخر في لمح البصر، وهذه القدرة وهبتْ كل مكان قصةً قابلةً للبتر دون الإخلال بالنسق العام للحكاية، فما لا يدرك كله لا يترك جله.

فمن الذي رمى بهذا البساط/ الرمز القادر على التحليق والاحتواء والعطاء في سلة التنافس، والاستئثار، وإسقاط الآخر؟

إن مصطلح «سحب البساط» يأتي إشارة إلى ما يحدث بين الحقول المتجاورة، فمتى ما زاحم حقل حقلًا آخر، أو تولدت تقنية جديدة من رحم سابقتها، زُج بالبساط ليكون مسحوبًا، واستأثر به مجال واحد دون البقية؛ فالمتتبع لوصف عجلة الزمن، وتعاملها مع الفنون في وصف تحديث وسائلها، والعودة لمرحلة زمنية ليست بالبعيدة، سيجد أن المذياع والتلفاز والفيديو تجاورت وتنافست وتكاملت، وتم تحديثها في صور جديدة، ومن يتأمل سيجدها وسائل تقوم على الصوت والصورة، فلماذا نعامل الثوب الذي يكسو الصوت والصورة بأنه البساط الذي يتم سحبه؟!

إن هذا التبدل لم يكن يومًا مؤثرًا على المادة الخام التي تصنع الدهشة، فالبساط مجموعة من الخيوط ، يتبدل نسجها ولونها، ولا يلزم إطلاقًا سحبها، فالوسائل الحديثة ليست سوى البساط ذاته الذي ينقلك عبر الصوت والصورة لمساحات جديدة دون أن يَسْحَب أو يُسْحَب.

إن المجازات تضيق وتتسع، وهذا ما انعكس على البساط عندما صار مادة للتناوش، يضيق ولا يتسع، نهبًا لكل ساحب، فهل نعيده أحمديًا يسع الجميع؟!

**
تنافس ثلاثة على خطبة فتاة تجسدها سعاد عبدالله وهم: الجميل إبراهيم الصلال، والغني محمد جابر، والفقير عبدالحسين عبدالرضا، الذي دعاها إلى عدم التعجل في الحكم عليه، فقال: «قبل لا تتسرعين اسألي عن حضرتي/ حضرتي ولد الفقير وأملك بساط الفقر)؛ ذلك البساط الذي حلق بهما وارتحلا، لينتهي بهما المطاف بعد فقدانه عجوزين في الهند مع تحقق مطلبها بولد الحلال الذي يملأ البيت حبًا وأطفالًا، مثبتًا أن قلب حبيبته ليس بساطًا يمكن للغني والجميل سرقته أو «سحبه».

 


د. محمد البشير، كاتب سعودي.
زاوية إطلالة مخصصة لنشر مقالات الكتّاب من خارج أرامكو السعودية.
Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge