إطلالة

سيكولوجية الضحك

سيكولوجية الضحك

هل فكرت يومًا ما في شراء تذكرة لمسرحية كوميدية أو مشاهدة فيلم كوميدي في السينما؟
أو هل مر يومٌ دون أن تضحك؟

يضحك الأطفال من ثلاثمائة إلى أربعمائة مرة في اليوم، أما البالغون فمن عشر إلى خمس عشرة مرة في اليوم. يضحك الأطفال لمجرد المرح والضحك، وليست لديهم نوايا أن يكونوا مقبولين من الآخرين، بعكس البالغين تجدهم يظهرون خفة دمهم لكي يحظوا بالقبول، ويمتلك الأطفال عفوية وتلقائية ويقضون معظم يومهم في التفاعل واللعب الذي يتطلب حركة جسدية، ما يساعدهم في الضحك. 

قد يتساءل أحدكم: لماذا نضحك؟ خاصة أولئك المتدثرين بالثقل والجدية، الذين يعتقدون أن للجدية هيبة، ما أدى إلى النظرة السلبية عن الضحك. إذا ما أردت المرور على آراء الفلاسفة في فكرة الضحك سأكون في صف كيركغارد الذي يرى أن الضحك يتولد من مفارقة، لكنه يميز بين ما هو مضحك وبين ما يبعث على السخرية. فيما يرى شوبنهاور أن الضحك يتولد من تنافر بين التصور الذهني المجرد وبين الإدراك الحسي، لذا استنتج أن إضحاك الناس يحتاج إلى جهد ذهني. 
لكن كانط زعم بأنه نشوة ذهنية لا فائدة منها. لو عاش كانط حتى يومنا وقرأ هذا المقال لربما كان له رأي آخر في الضحك.

هل تعلم أيها الفيلسوف كانط أنه ثبت علميًا أن الضحك يخفف الضغط والتوتر، وكان روسو ينصح بتعليم الطفلة "إيميل" بالضحك كلما دخلت مكانًا مظلمًا، ويرى أن الضحك يجعل الطفل قادرًا على تجاوز خوفه من الظلام، وهل تعلم أيضًا أيها الفيلسوف أن الضحك يقوي الذاكرة ويقوي علاقاتك الاجتماعية، لما للضحك من قدرة مذهلة على خلق جو من الألفة  والمودة والتفاهم بين مختلف أصناف البشر، وكأنه لغة عالمية يفهمها الجميع.

 ولأن مصارحة الناس بالحقائق في إطار مضحك يُضعف التحيز تجاهك، لذا يشير الكوميدي والسيناريست جون كليس إلى أن أروع ما في الضحك أنه يدمر كل ما يتسبب في تقسيم الناس وتأليبهم ضد بعضهم. هل تعلم أن الضحك يحرق سعراتك الحرارية، وهذا سبب كافٍ لكي نضحك، ويرفع من مستوى المناعة، ويخفف الآلام، ويرفع من سعادتك وبهجتك. إذا أردت أن تحسن من جودة حياتك فاجعل من الضحك أداة لتغيير مشاعرك وأفكارك السيئة.

ومع انتشار مدارس اليوغا عالميًا تم تخصيص يوغا خاصة بالضحك، نعم في عام 1995م أسس الطبيب الهندي كاتاريا أول مدرسة لتعليم يوغا الضحك، وكان يقول: نحن لا نضحك لأننا سعداء، نحن سعداء لأننا نضحك. فهل حقًا نحن بحاجة لتعلم الضحك؟ 

نعم؛ في تلك المدرسة يعلمونك فعل الضحك وكيفية التحكم فيه بإرادتك، وهو سلسلة من تمارين الحركة والتنفس لافتعال الضحك المتعمد بهدف تحسين الصحة الجسدية والنفسية.  ويعتمد مفهوم المدرسة على حقيقة أن الجسم لا يستطيع التفريق بين الضحك المزيف والضحك الحقيقي، وبالتالي يحصل المرء على الفوائد المرجوة نفسها. 

أخيرًا.. نعم أنا أضحك على أخطائي لكني أتعلم منها وأسخر من مشاكلي، لكني أعيد شتات روحي من جديد لكي أوجهها، وأطلق الدعابات لأي صعوبة لكي أتغلب عليها.

 ونصيحة من ملاك رحمة عملت مع مرضى القلب: لا تأخذوا الحياة على محمل الجد دائمًا، فالحياة عبارة عن لعبة يفوز فيها الواثقون الضاحكون، لأن الخفة جميلة والثقل فظيع  كما يصوره كونديرا.
والآن هل ما زلت متمسكًا بجديتك، أم أنك ستبحث عن أسباب تجعلك تضحك وتبتهج؟.

رائدة السبع، كاتبة سعودية.
زاوية إطلالة مخصصة لنشر مقالات الكتّاب من خارج أرامكو السعودية.
Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge