إطلالة

إدارة الطاقة.. وليس الوقت

إدارة الطاقة.. وليس الوقت

تكاد تجمع أدبيات السلامة الوظيفية في السنوات الأخيرة على أهمية حفظ الطاقة والصلابة النفسية لأجل مشوار مهني مستدام النجاح، وذلك لكون الشخصية الناجحة قادرة على استيعاب أنماط الشخصيات المختلفة عنها، والتعامل مع كلٍ شخصية بما يلزم فعله عبر التواصل الفعال والرؤية المشتركة. 

ولا شك أن الطاقة تحديدًا – على عكس الوقت – غير متساوية لدى كل الناس، لكنها – على عكس الوقت أيضًا – قابلة للزيادة مثلما أنها قابلة للنقص. وفي تمرينها وزيادتها وحسن إدارتها خير عظيم ينعكس على الفرد، بحيث يغدو أفضل من ناحية العلاقات والأداء في آن واحد، علاوة على النظر إلى المشوار المهني من ناحية استراتيجية تتجاوز المهام اليومية البسيطة وتنعكس على جهة العمل، إذ تتحول إلى بيئة سليمة وتزيد من مشاعر الأمن الوظيفي بفعل الأداء المتميز للموظفين الذين يحسنون إدارة طاقاتهم.

ومما لا شك فيه أن البيئة السليمة والأمن الوظيفي مما يهتم الموظف النبيه بهما بحرص قبل توقيع العرض الوظيفي، بل قد يكون أحدهما سببًا لتركه وظيفة حالية في المقام الأول.
ويمكن حفظ إدارة الطاقة ابتداءً بأبسط نطاق ممكن، أعني بذلك الصحة الجسمانية التي نمر بتحدياتها كل يوم، وذلك عبر تحسين النوم والتغذية وأسلوب الحياة بالمجمل. فالتحسينات القائمة على تعديل هذه الأمور كفيل بتوفير كم كبير من الطاقة للمهام القادمة عبر ضبط الاختيار على مدة طويلة (قد تصل إلى أشهر) – وهذا ما يحسّن بدوره من الصحة الجسدية، ويكون عامل استغلال للوقت الذي تستغرقه الحيرة إزاء الخيارات القادمة – ناهيك عن رصد العادات اليومية على أضيق نطاق بتوثيقها مباشرة عن طريق التدوين، ثم وضع فئة بما يستحق أو لا يستحق. وعليه؛ تُحذف الأمور التي لا طائل منها، والتي قد تعيق مسار النجاح المخطَّط له، سواء كانت عادات سيئة في الأصل أو تستهلك وقتًا لا تستحقه.

وثاني المناحي التي تحسّن الطاقة هو؛ تجزئة الآفاق والأهداف الكبرى إلى مهام يومية. ذلك أن القليل الدائم خير من الكثير المنقطع، فالطاقة قابلة للتحسين انطلاقًا من مهام يومية سهلة التحقيق نحو غايات كبيرة سنوية. كما أن العائد التراكمي أثبت فاعليته إداريًا وماليًا على أكثر من صعيد إزاء الفرد والمنظمة. ويمكن لأحدنا البدء بمهمة يومية (ولتكن على سبيل المثال؛ توفير مبلغ من المال بشكل نقدي أو عددٍ معينٍ من التمارين) من أجل جائزة كبرى يرصدها في ما بعد خلال عام أو أكثر. ففي الانشغال بما هو يومي وقليل قدرة على الإنجاز تتجدد فيه الطاقة المستهلكة في تحقيقه، فيتحقق نوع ما من حفظ الطاقة الذي قد يُستخدم لأمور أخرى أو لأي طارئ. 

وثالث المناحي؛ هو إدراك محدودية الوقت، وبالتالي ينصب التركيز على المهام المختارة سلفًا دون الوقوع في مصيدة التشتت. ولأن الخطط الموضوعة تحت وعي بأن أي شيء يمكن أن يحدث ويعيد جدولتها، فإنه يمكننا من إعادة ترتيب الحدث الطارئ على أن يؤجل الحدث المخطَّط له إلى الغد. وبالتبعية؛ فإن كل ما تم التخطيط له دون وضعه معًا في يوم واحد يؤدي إلى تعدد في المهام، وهو أسوأ مستنزفي الطاقة، وهو الوحيد القادر على نسف كل جهد بهذا الصدد.

وتتعدد أهدافنا كبشر بحسب مستوياتنا الوظيفية والحياتية، لكن وقتنا واحد للأسف. ولحسن الحظ أن طاقاتنا جميعًا قابلة للزيادة، فلنسعَ إلى ما ينمّيها ويحفظها بوضع المهم قيد الاعتبار وتجزئته ما أمكن إلى أصغر نطاق، وحذف ما لا يزيد الطاقة بل يُنقصها، من أجل موازنة أفضل بين العمل والمنزل، وبالتالي رفع جودة حيواتنا إلى المستوى المنشود.

 راضي النماصي، كاتب ومترجم سعودي.
زاوية إطلالة مخصصة لنشر مقالات الكتّاب من خارج أرامكو السعودية.
 
Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge