قصة الترحال في ربوع الوطن الفسيح..

الشغف بالأسفار يقود الغامدي إلى استكشاف أسرار المملكة

الشغف بالأسفار يقود الغامدي إلى استكشاف أسرار المملكة

بدأ شغفه بالرحلات منذ الصغر، حينما نشأ في كنف رجل مُولع بحب البر والبحر والاستكشاف والسفر، ما جعله يعزم النية ويعقد الأمر على أن يُحاكي مسيرة والده. وطوال 30 عامًا، أخذ حس المغامرة ينمو ويكبُر بداخله، فتشارك مع أخيه هذا الشغف وبدآ بتنظيم الرحلات، حيث كانت في بداية أمرها بسيطة، لكنها أخذت تتطور وتتوسع مع مرور الأيام. وقد كانت آخر الرحلات المحلية التي خاضا غمارها قبل حوالي ستة أشهر، حين قطعا صحراء الربع الخالي من حرض إلى الخرخير.

قائد هذه الرحلة هو محمد عبدالله الغامدي، الذي يعمل في إدارة الدعم للتصنيع العالمي في رأس تنورة، وهو كما يحب أن يُسمي نفسه، من الجيل الثالث من أسرته الذي يعمل في أرامكو السعودية، بعد جدِّه، رحمه الله، ووالده.

في هذه المساحة، نُبحر مع الغامدي في غور رحلاته التي جاب فيها ربوع البلاد، لنُسلط الضوء على بعض خبايا أرضنا الزاخرة بعبق تاريخها، والمتألقة بجمال طبيعتها وتنوعها.

نحو قلب الصحراء

الشغف بالاستكشاف قاد الغامدي إلى قلب الصحراء، حيث شدَّ رحاله إلى الربع الخالي، الذي يحتل الجزء الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية، ويُعد من أكبر الصحاري المتصلة في العالم.

وخلال رحلته تلك، زار محمية عروق بني معارض، وهي محمية طبيعية كانت موطنًا للمها العربي قديمًا، ويُوجد فيها مخيَّم بيئي يُعد من أشهر الوجهات السياحية على حدود نجران.

كما تضمَّن مسار الرحلة زيارة إحدى الآبار المعروفة في المنطقة، وهي بئر جلاب. ويوضح الغامدي أن البئر أثارت لديه شعورًا من الدهشة، نظرًا لأنها «تحتوي على مياه كبريتية ساخنة تتعدى درجة حرارتها 100 درجة مئوية!».

التاريخ على سفح الجبل

جبال فيفاء كانت مقصدًا آخر زاره الغامدي لينعم بالطبيعة، لكن في حلتها الخضراء. هذه الجبال تلتف بعضها حول بعض، ممتدة في الجانب الشرقي من جازان وحتى أبها، لتظهر كما لو أنها جبلٌ واحد هرمي الشكل يُعرف باسم (جبل فيفا).

وهناك، عرَّجت الرحلة إلى محافظة رجال ألمع، التي تتربَّع على سفوح الجبال، وتتميَّز مساكنها بفنها المعماري الفريد. ويوضح الغامدي أن ما حفزه للذهاب إلى هناك هو اهتمامه بالاطلاع على تاريخ المحافظة وأهلها، الذين خاضوا معارك عديدة للدفاع عن موطنهم، إلى جانب ما تحفل به المنطقة من جودة الزراعة والبيئة الخضراء.

كما كانت الباحة الخلَّابة وجهة لإحدى الرحلات، حيث وجدها من أجمل المناطق السياحية في المملكة على حد وصفه. وشمل مسار الرحلة زيارة غابة رغدان، التي تُعد من أجمل المتنزَّهات في المنطقة، ومزرعة الزيتونة، ووادي ضرك، وقرية ذي عين، لينتهي عند جبل شدا الأسفل. هذا الجبل هو أحد أعلى الجبال في المملكة، ويتميَّز بكتله الصخرية العجيبة، كما يحتوي بعض الكتابات النبطية والرسومات القديمة، التي تكشف عن قِدم ارتباطه بالبشر، وتُعبّر عن الذائقة الفريدة لدى أولئك الذين كانوا يقطنون هناك.

ويذكر الغامدي أن جبل شدا الأسفل يضم كهوفًا لا تزال مأهولة بالناس حتى يومنا هذا، كما يُشير إلى أن  الباحة تشتهر بالمتاحف التاريخية، ومن أهمها متحف الباحة للآثار والتراث، الذي يحظى بإشراف من الهيئة العامة للسياحة عقب افتتاحه في عام 2003م.

أما في الطائف، فكان للرحلة وقفةٌ عند فوهة الوعبة، أو كما تُعرف بين سكان المنطقة بـ (مقلع طمية)، وهي أضخم فوهة بركانية في المملكة، حيث زارها الغامدي عام 2004م حين لم تكن معروفةً آنذاك، أما اليوم فهي إحدى أهم الوجهات السياحية في المنطقة.

موسم الربيع.. ودرب الحجاج

من الجنوب الغربي، توجَّه الغامدي إلى الشمال الشرقي، حيث وصل عند حدود الصمَّان، وهي هضبة صحراوية مستطيلة تمتد حدودها من الربع الخالي جنوبًا وحتى الحدود العراقية شمالًا. ومن المعروف عن هذه المنطقة تميُّزها بموسم الربيع، حيث تُزهر الأزهار التي من أشهرها زهرتا النويرة والخزامى، وتفوح روائحها العبقة ليمتلئ بها النسيم، كما تتجلَّى ألوانها الناظرة في الأفق.

وعلى أطراف الصُمَّان، مرَّ الغامدي بـدحل سبسب، وهو شِقٌ في الأرض به مغارة تتجمع فيها المياه، ويُعرف عنه شدَّة برودته على مدار العام. يقول الغامدي: «كان بعض الناس يعيشون هنا قديمًا خاصة في فصل الصيف؛ هربًا من الحرارة».

واستكمالًا لرحلاته عبر أرجاء المملكة، قصد الغامدي أحد أكثر الأماكن الحافلة بالتاريخ في بلادنا، حيث زار أبرز المعالم في محافظة العُلا، ومنها قصر الفريد، وهو من أشهر المقابر وأكبرها بمدائن صالح، وقد سُميَّ بهذا الاسم نظرًا لفرادة تصميمه. كما قصد جبل الفيل، وهو صخرةٌ ضخمة لها شكل خارجي يُشبه الفيل.

وواصل الغامدي مسيره نحو البقاع التاريخية بزيارته لإحدى محطات درب زُبيدة، وهو الطريق المنسوب إلى زبيدة بنت جعفر ابن أبي جعفر المنصور، زوجة الخليفة هارون الرشيد، والذي يبدأ من الكوفة قاطعًا شمال المملكة ووسطها لينتهي عند مكة المكرمة.

في رحلاته هذه، تنقَّل الغامدي عبر ربوع المملكة شرقها وغربها وشمالها وجنوبها؛ لكن هذه الرحلات المتتابعة لن تكون نهاية المطاف بالنسبة له، فهو يخطط لمتابعة شغفه بتنظيم رحلات جديدة مع رفاقه، ليتمكن من اكتشاف مزيد من أسرار هذه الأرض الزاخرة بالتاريخ، والغنية بالتنوع والثروات الطبيعية.

Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge