يستعرض الأكاديمي السعودي الدكتور سعيد بن عبدالرحمن العمودي في هذا الكتاب نماذج إبداعية متنوعة لمدن عالمية تُعد نماذج مثالية لمفهوم المدينة التي يتوفر فيها عددٌ من العوامل الجمالية والحضارية والثقافية التي تميزها وتجعلها استثنائية. الكتاب بعنوان «المدينة الإبداعية، القصة، النماذج، التنفيذ» وهو في الأصل جزء من أطروحة المؤلف لنيل درجة الدكتوراة والتي كانت تهدف حسبما يشير في مقدمة كتابه إلى تحويل مكة المكرمة إلى مدينة دينية إبداعية، وذلك من خلال تحفيز الاهتمام بالإبداع والابتكار ليكون الوسيلة العملية للتنمية الحضرية.
وتشمل التجارب التي يقدمها الكتاب خمس مدن، هي فانكوفر في كندا، وجلاسكو في بريطانيا، ومدينة سيدني الأسترالية، وبرشلونة في إسبانيا، ومدينة يوكوهاما اليابانية، ويتناول الكتاب بالتفصيل كافة الأسس النظرية والتطبيقية التي تأسس عليها مفهوم المدينة الإبداعية، كما طرحها على وجه الخصوص البريطاني تشارلز لاندري رائد نظرية «المدن الإبداعية».
وكما نفهم من فصول الكتاب الثلاثة، لم تنشأ فكرة المدينة الإبداعية من فراغ لكنها كانت تجسيدًا لتطلعات وطموحات نحو وجود ما يمكن وصفه بالمدن الناجحة التي يقع الناس في غرامها، حسب تعبير الكاتب، تلك الأمكنة التي تحوي عدة عناصر تتضافر فيها كافة أسس الجذب، إنها تلك المدن الرائعة التي تسعى لتحقيق جودة الحياة لتصير فضاءات للجمال والراحة والتفاعل الإيجابي، وهي، كما يضيف المؤلف، مدن «نابضة بالحياة وتوفر مساحات للهدوء والتأمل، وتعد مناخًا للإلهام والثقافة وبيئة لتحسين الذات، كما تحوي تنوعًا كبيرًا من الأعراق والثقافات والأفكار، يقل فيها المتشابهون ويكثر فيها المختلفون فضلًا عن أنها «توفرالعديد من الخيارات، والعديد من فرص العمل».
ويتعامل الكاتب مع مفهوم الإبداع في تصميم وتخطيط المُدن بمنظور أوسعي تجاوز مجرد الإبداع الفني، بل يمتد ليصير الأداة الأساس في حل المشكلات والقدرة على التفكير المرن الذي من شأنه مواجهة أي قصور في معالجة المشكلات الحضرية.
ومن خلال قراءة متعمقة لكافة الإسهامات النظرية الخاصة بمفهوم المدينة الإبداعية، طور العمودي تعريفه الخاص لهذا النوع من المدن، ووفقًا لهذا التعريف يمكن وصف أي مدينة بالإبداع حين تتميز بالتفرد في الثقافة والتراث والصناعات التي تزيد من جودة الحياة والإنتاجية، ويكون لديها القدرة على إشراك صُناع السياسات والمواطنين والمبدعين في إيجاد حلول لمشكلات المدينة.
