حوار مع كاتب

أشعر بقيمتي في وجود القصيدة

أشعر بقيمتي في وجود القصيدة

عاطف محمد عبد المجيد، شاعر ومترجم مصري، صدر له العديد من الدوواين منها "من طينة أخرى دمي"، "لماذا أنت دونهم"، و"كأشياء عادية أكتب قصيدتي". 

 

انتقلت في كتابة الشعر بين عدة أنواع: التفعيلة والعمودي ثم قصيدة النثر، هل ثمة قصد في هذا الاختيار، وهل يرتبط ذلك بموضوع القصيدة أم بغرض التجريب؟

بالطبع لم تُولد لديَّ أي قصدية في هذا. كانت البداية شيئًا معتادًا لإنسان يعيش في الريف برحابته وهدوئه وموسيقاه التي تصدر عن عصافيره وكائناته. بعد ذلك كتبت القصيدة التفعيلية حيث وجدتني أميل ناحية التكثيف، وقد بدأت بكتابة قصيدة الومضة قبل أن أعرف اسمًا لها وقبل أن أعرف أن هناك كثيرين يتنازعون في أحقية ريادتهم لها. وفي المرحلة الأخيرة جاءت كتابتي لقصيدة النثر، ربما كتطور طبيعي، أو لتجريب نوع جديد، أو بحثا عن شكل شعري يواءم حالتي النفسية في ظل ما يحدث للعالم من تغيرات مفاجئة تجعلنا نشعر بقلق واضطراب. 

 

قلت من قبل "من أجل الشعر أواصل حياتي"، من هذا نفهم أنك تتعامل مع الإبداع من منطق وجودي محض، أليس في ذلك قدر من المبالغة؟ أم أنك ترى في الشعر خلاصًا نوعيًا من أزمات الشاعر؟ 

ما قلته أعنيه حرفيًّا، فالشعر هو الوحيد، بالنسبة لي، القادر على إخراجي من أزماتي، القادر على انتزاعي من أحزاني التي تحيط بي، القادر على منحي الأمل في مواصلة الحياة.

 

ألهذا تدور مضامين قصائدك في الأغلب رغم تنوعها حول فكرة واحدة أساس هي "المعاناة"، أن" يُكتَشف حضورك في عز غيابك" كما تكتب في ديوان "من طينة أخرى دمي".

نعم، كتابتي للقصيدة يداويني من معاناتي ويقلل حجمها في نظري، ويهبني قوة لأتحملها وأتجاوزها ولا أقف عندها كثيرًا. وبعيدًا عن المعاناة، أو قل هو نوع للعلاج منها، فأنا أشعر بوجودي وقيمتي في وجود القصيدة، أشعر بكينونتي وقامتي، وأنا أسير مع الشعر جنبًا إلى جنب. أشعر بجدوى الحياة ومتعتها وأنا جالس على مائدة القصيدة. الشعر حياة، نفخة روح، نبضة قلب.

 

• تتميز قصيدتك بلغة واضحة وسلسة تبتعد عن الغموض الذي يسم ابداعات شعرية كثيرة، كيف تنظر إلى دور اللغة في نسج مضمون أشعارك، وهل تستهدف قارئًا بعينه؟

وأنا أكتب أحافظ على سلاسة أسلوبي وبساطته لعدة أسباب منها أن يصل ما أكتبه للجميع، ومنها ألا أجعل حاجزًا بين ما أكتبه وبين القارئ. حين أقرأ نصًّا منغلقًا لشاعر غيري أشفق عليه لأنه حرم القارئ من التعاطي مع نصه، كما أنني لستُ ممن يقولون إنهم يكتبون لأنفسهم، أنا أكتب لنفسي أولًا ولقارئ آخر ثانيًا. ثم عقيدتي الشعرية هي السهل الممتنع: ترى نصّي، كقارئ، سهلًا وبسيطًا لكنك يستحيل أن تكتب مثله. أيضًا، وأنت تعرف ذلك، اللغة أداة توصيل ما ننتجه ككتاب إلى المتلقي، فلماذا نلجأ إلى لغة مقعرة ومعقدة تجعل المتلقي، البسيط والمثقف كذلك، يكره ما ننتجه من نصوص؟! 

 

• كيف تُقيم نشر الشعر، فبالرغم من عزوف الناشرين بوجه عام عن نشر الشعر، بدأنا نشهد حراكًا في هذا المجال من قبل عدد منهم، حتى لو كان محدودًا، كيف ترى ذلك وفي رأيك هل ثمة أزمة تواجه هذا النمط الإبداعي ذو الطبيعة الخاصة؟

الشعر هو أبو الفنون وأرقاها وقائدها ورائدها على الإطلاق. وفي فترات زمنية كثيرة يتعرض للاضطهاد من قِبل آخرين يروجون لفنون أخرى، ظانين أن وجود الشعر يمثل خطرًا على وجودهم. مؤخرًا يشن مريدو الروايات الحرب على الشعر قائلين إنها ديوان العرب، وساعد على ذلك عدد من الناشرين الذين لم يعودوا ينشرون إلا الرواية، وبجانبها الكتب التي تجذب رقعة عريضة من الجمهور العادي. الآن يتعرض الشعر لحروب شتى يتكاتف فيها كثير من أصحاب دور النشر وكثير من النقاد وكتاب الرواية وكذلك كثير من القراء الذين لا يميلون ناحية واحة الشعر بزهورها، وبساتينها وروعتها، ومشاعرها وأحاسيسها. لكن الشعر سيبقى وسيتجاوز كل هذه الأزمات وسيظل هو فن العربية الأول وديوانها الذي سيشرف كل من سيدخل أروقته.

 

• أنجزت مجموعة من الترجمات من اللغة الفرنسية إلى العربية، ومن بينها الترجمة الشعرية، ألا تتفق معي أن ثمة صعوبة في ترجمة الشعر من دون المساس بالمعنى الأصلي؟ 

 أنا معك في كون ترجمة الشعر هي من أصعب الترجمات على الإطلاق، وهي ترجمة مرهقة ومقلقة في الوقت ذاته. لكن ما يجعلها سهلة بعض الشيء، بالنسبة لي، هو كوني شاعرًا، وأظن أنني لديَّ إحساس باللغة يمكنني من الوصول إلى المعنى المراد بنسبة كبيرة. وفي الأخير أنت تعلم أن الترجمة اجتهاد قبل أي شيء، نصيب ونخطئ، لكننا نظل نحاول ألا نخطئ وأن نصل إلى أفضل ترجمة مهما كلفنا هذا من تعب وعناء.  

Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge