لابد أنك سمعت يومًا، أو عانيت بنفسك، من جدال الأطفال مع أهاليهم وكثرة نقاشهم وتكرار أسئلتهم على موضوع ما، وخاصة إذا كان ذلك بسبب رفض الأهل لطلب ما لدى الطفل، فالأطفال اليوم، لا يقبلون بكلمة (لا) حين تأتي لوحدها، بل على الأم والأب أن يذكرا جميع الأسباب والمبررات لإقناع الطفل أن (لا) جديرة بقبوله لها. وحين تفشل أسبابهما جميعها لإقناعه، كان الله بعونهم، فإن طاقة الأطفال لا تنضب، وأفواههم لا تسكت، إلا حين يتحقق مرادهم وتتحول كلمة (لا) الصارمة إلى (حسنًا، ولكن لهذه المرة فقط وهذه هي المرة الأخيرة)، والطفل يعلم وهم يعلمون أنها لم تكن المرة الأولى وحتمًا لن تكون الأخيرة!
ويصف الأهالي هذا التصرف بشدة «عناد» الطفل وتمرُده، ويرونه على أنه مشكلة وتحتاج إلى إصلاح، وقد يصل الأمر إلى تطبيق عديد من النظريات والطرق التربوية لتقويم سلوك الطفل لجعله منصاعًا لأوامرهم وتوجيهاتهم، وقد يمتد ذلك حتى سنوات المراهقة والرشد، وهذا أكبر خطأ غير مقصود يقع فيه الأهالي، حين يغيب عن أذهانهم أنهم يتعاملون مع إنسان صغير الحجم أكرمه الله بعقل، ينمو ويزدهر بتلك الأحاديث الصغيرة، ومن حقوقه كطفل تبادل الحوار والنقاش واعتقاد أن لرأيه أهمية كما الجميع، طالما أن ذلك لا يتعارض مع رضا والديه أو رفع الصوت عليهم.
فحين يُسلب ويُمنع الطفل من النقاش، يخرج هذا الطفل للمجتمع كفرد غير قادر على اتخاذ القرارات بنفسه وعاجزًا عن النقاش في أبسط الموضوعات، فقد اعتاد على تلقي الأوامر والانصياع لها دون تفكير في الخيارات أو العواقب.
بالمقابل، تعويد الطفل على الثقة بالنفس والنقاش والتفاوض في حدود الاحترام يجعله جاهزًا لمواجهة العالم ساعة الحاجة، واتخاذ القرار الصائب في المواقف الصعبة. ولا مانع من السماح للطفل باتخاذ فعل قد يراه الأهل خاطئًا من وجهة نظرهم، والاكتفاء بإخباره بما سيترتب على فعلته من عواقب، وحين يمضي بفعلته قدمًا ويستشعر خطأه، سيعلمه ذلك درسًا لا ينسى وسيُحسن الاختيار في المستقبل.