الأسرة

آداب الحوار مع الأبناء

آداب الحوار مع الأبناء

وينشأ ناشئ الفتيان منا … على ما كان عوّده أبوهُ

دائمًا ما يتحدث الجميع عن آداب الحوار مع الآباء، وآداب الحديث مع الرؤساء والزملاء والغرباء، ونتجاهل كيف نتحدث بأدب واحترام مع فلذات أكبادنا، بالرغم من أن ما نزرعه لديهم في الصغر، سينعكس عليهم لاحقًا دون وعيهم الكامل، فمجرد التحدث إليهم باحترام وأدب كفيل بجعلهم يتحدثون مع الجميع بنفس الطريقة، بينما توبيخهم لعدم استخدامهم لكلمة «شكرًا» على سبيل المثال، لن يجعلهم يستشعرون القيمة التي تحاول زرعها لديهم بصوتك المرتفع ونبرتك العالية.

ويبدأ الأطفال باكتساب مهاراتهم في الحديث والتفكير والاستقلالية أو الاتكال وغيرها من الأمور التي تلعب دورًا كبيرًا في تكوين شخصياتهم منذ الطفولة، وللحوار فوائد عديدة تنعكس عليهم، نذكر بعضها:

فصاحة اللسان: لا بد من مخاطبة الطفل بلغة واضحة دون تحريف الكلمات بطريقة طفولية، حتى وإن اعتاد الطفل على استخدامها، وذلك لأن الطفل في مراحله الأولى يقوم بالتقاط جميع المفردات اللغوية وتخزينها ومن ثم استخدامها كما سمعها.

التعبير عن المشاعر: حتى يصبح الطفل قادرًا على التعبير عن نفسه ومشاعره وأحاسيسه، يجب على الأبوين تعبئة مخزون الطفل بالمفردات، ويتم ذلك عن طريق التكلم معه منذ نعومة أظفاره وسؤاله دومًا: بماذا شعرت حيال أمر ما؟ وهل أنت سعيد/حزين/ غاضب اليوم؟

تعلم مهارة الاستماع: لتعليم الطفل آداب الحوار يجب عليك عند التحاور معه التركيز فيما يقول والاستماع له بشكل جيد، وتركه يفرغ كل ما في جعبته من أحاديث وأفكار، وهكذا سيكتسب مهارة الإنصات، وإذا جاء دورك بالحديث وقام الطفل بمقاطعة حديثك، عليك أن تخبره بأنك استمعت إليه وعليه القيام بالمثل، ومن ثم أكمل حديثك.

 

الحوار مع الأبناء في القرآن

تتعدد قصص التي يمكن الاستشهاد بها من القرآن الكريم بحديث الآباء مع أبنائهم، حيث جاء أسلوب الحوار مبثوثًا منثورًا ليُقتدى ويُعمل به، وأجملها ما حكاه لنا ربنا في سورة لقمان، والحوار الأبوي الراقي المليء بالحكم والتوجيهات التربوية بين لقمان الحكيم وابنه، بتعليمه الوصايا العظيمة، ابتداءً بقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ﴾، حيث بدأ الحوار بين الأب وابنه بأسلوب النداء «يا بني» وهي من الكلمات التي تُقرب الابن لأبيه وتحببه إليه وتُشعره بالأمان وتهيئه لاستقبال ما سيقوله له، حيث بدأ بتوجيهه لعبادة ربه وحده سبحانه وعدم الإشراك به، ثم التوصية بالوالدين والتعامل معهم باحترام، والتعريف بعلم الله سبحانه وتعالى ورقابته وقوته وقدرته وأن الله لطيف خبير، وتوجيهه للصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الشدة والأزمات، وألا يمشي على الأرض متكبرًا، وأن يتحدث بصوت منخفض. ويُستدل بذلك، طريقة الحوار مع الأبناء لغرس القيم في نفوسهم.

نقع في الخطأ أحيانًا حين نظن أن المهارة هي ما نتفرد به بشكل خاص ونتقنه على أكمل وجه، أو أنها ما يُميزنا الله به عن غيرنا، ليولد البعض منا نابغًا في الرياضيات على سبيل المثال، أو بيد خفيفة على فرشاة الرسم، أو بصوتٍ رنان يتغنى به ويطرب من حوله، وفي الغالب أن لكلٍ منا ملكة خاصة يتفرد بها ووهبه الله إياها بشكل فطري، فلا وجود للأشخاص «العاديين» بيننا.

ولكن ما يحدث أنه قد يمضي عمر الإنسان وهو لم يكتشف ملكته بعد، فتلك الملكة الفريدة تتطلب التجريب المستمر لشتى المجالات حتى يكتشف الإنسان موهبته الدفينة التي ستأتي لاحقًا دون مجهود بعد عملية الاكتشاف. بينما تختلف المهارة اختلافًا جذريًا، فهي في الحقيقة مكتسبة، وتنمو وتتطور بالممارسة والتدريب والتعلم المستمر، وهي ليست حكرًا على أحد، كما أنها تمتد لتشمل جوانب أوسع لمختلف المجالات الحياتية، فهناك مهارة الكتابة، ومهارة القيادة، ومهارة العمل ضمن فريق، ومهارة الاستماع والإنصات، ومهارة حل المشكلات، وغيرها الكثير.

ونصيحتي هنا أن يسعى الآباء لجعل الطفل متعدد المهارات، فلا يكفيه أنه موهوب فقط، فالموهبة هبة إلهية لا يد للإنسان فيها، وقد يكون الطفل موهوبًا ولكن عندما لا يتم جمع الموهبة مع المهارات الحياتية المختلفة اللازمة، فلن يتمكن من استغلال تلك الموهبة وتفعيلها على أكمل وجه. وغالبًا ما يبذل الأهالي الجهد والمال لمساعدة الطفل باكتشاف مكامن الشغف لديه، فتجده يخرج من دروس السباحة إلى تدريب الفروسية وركوب الخيل، ليذهب غدًا بعد المدرسة إلى صف الرسم والفنون، علمًا أن جدوله مزدحم بالفعل بتمارين كرة القدم؛ لنُزهِقَ بذلك طاقة الطفل ونقتل رغبته في التجريب والاكتشاف، والحل هنا أن نزرع في الطفل حب التعلم للمهارات الحياتية المختلفة، ونترك له حرية اكتشاف مكامن الشغف لديه.

 

مراحل الحوار مع الأطفال حسب المرحلة العمرية:

منذ الولادة  - 3 سنوات:  التحدث لفترات طويلة مع الطفل، ومكافأته على أي أنجاز يقوم به لتعزيز السلوكيات الجيدة.

3 سنوات - 7 سنوات: يطرح الطفل في هذا العمر عديدًا من الأسئلة، ويجب على الأبوين الإنصات بشكل جيد للإجابة عنها جميعها مهما بدت غير مهمة.

7 سنوات - مرحلة البلوغ: في هذه المرحلة يكون الطفل قد تعلم مهارة الحوار، ويجب تطبيق آرائه إذا كانت مناسبة ليستشعر أهميته كفرد من أفراد العائلة.
 
Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge