إطلالة

حاملو الألقاب العلمية الزائفة

حاملو الألقاب العلمية الزائفة

من الظواهر التي تفشت في مجتمعاتنا، مؤخرًا، هذا السباق المحموم من أجل نيل الشهادات العلمية الكبيرة، من دكتوراه وماجستير، بشتى الطرق والأساليب. ولو كان الدافع وراء ذلك الاستزادة المعرفية، أو الارتقاء بالذات علميًا، لما كان لنا أي تحفظ أو اعتراض. لكن الحقيقة هي أن البعض يلجأ إلى ذلك من أجل وضع حرف «الدال» أمام اسمه  بهدف الارتقاء الوظيفي السريع أو البروز المجتمعي أو «البرستيج»، وهم بذلك يرتكبون الغش والخديعة بحق أوطانهم.

فكم من حامل للقب دكتور اتضح أنه يحمل اللقب نتيجة لشرائه الشهادة من جامعة وهمية، أو جامعة لا تاريخ لها في العلم إطلاقًا، وإنما مجرد «دكان» مفتوح في الهواء لإعطاء الشهادات لمن يدفع أكثر. وكم من حامل للدكتوراه تبيّن أنه حصل عليها وهو جالس وراء مكتبه الوثير، دون أي جهد أو سهر أو تنقيب في المراجع. وهناك من يدّعي أنه يحمل تلك الشهادة الكبيرة، لكنه عند أول مواجهة يتلعثم في الرد على سؤال من صميم بحثه الأكاديمي المزعوم، لأن ذلك البحث كتبه له بالإنابة شخص آخر مقابل المال.

وأمامنا، في هذا السياق، أمثلة صارخة منها ذلك البرلماني الذي يصر على وضع حرف «الدال» أمام اسمه، فيما الدكتوراه التي يحملها مجرد دكتوراه فخرية منحتها له إحدى الجامعات تقديرًا له على تبرعاته المالية. ومنها ذلك الناشط الذي يدّعي حصوله على دكتوراه من جامعة أمريكية، لكنك حينما تفحص جوازات سفره القديمة والحديثة ستجدها خالية تمامًا من أية تأشيرة سفر أو ختم دخول يفيد بسفره إلى تلك البلاد للوقوف أمام لجان المناقشة الأكاديمية. وهناك أستاذ الجامعة الذي يدّعي أنه حاصل على شهادة دكتوراه من جامعة بريطانية، في حين أنه لا يجيد التحدث أو الكتابة بالإنجليزية بطلاقة.

من هنا نقول: هل يستوي أمثال هؤلاء، مع من قضى زهرة شبابه متغربًا في الخارج، ولربما استدان الأموال من أجل إتمام تحصيله الأكاديمي العالي، أو عمل في مهن متواضعة من أجل أن يتدبر بضع دولارات أو جنيهات تساعده على الوفاء بمتطلبات المعيشة في الخارج؟ وهل يستوي أمثال هؤلاء مع من حفر في الصخر وقاسى الأمرّين في أروقة المكتبات وسط أطنان الكتب والمراجع، وسهر الليالي يتفحص هذا الكتاب أو تلك الوثيقة من أجل استخراج المعلومات والأرقام الصحيحة كي يسند بها أطروحته الأكاديمية؟

وأخيرًا، فإذا كانت بعض الأمم المتقدمة تبحث اليوم عن طريقة تميز بها بين من حصل على الدرجات العلمية العالية في زمن «اللاإنترنت»، وبين من حصل على تلك الدرجات لاحقًا، أي في زمن «الإنترنت» الذي سهّل على الطالب كثيرًا عملية الحصول على المعلومة، فمن باب أولى أن نميز في بلداننا بين من حصل على الدكتوراه بـالحيلة واستخدام المال، وبين من حصل عليها بالسهر والعرق والدموع!

ختامًا، ندرك جميعًا أن العبرة ليست في ما تمتلكه من شهادات وما يسبق اسمك من ألقاب، بل في ما تتركه من أثر إيجابي في مجتمعك وما تورثه بعدك من نتاج يبقي ذكرك حيًا حتى بعد رحيلك.

 

د. عبدالله المدني، باحث وأكاديمي من مملكة البحرين.
زاوية إطلالة مخصصة لنشر مقالات الكتّاب من خارج أرامكو السعودية.
Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge