30 عامًا من التبادل التجاري بين أرامكو السعودية والصين..

شراكاتٌ وثيقة بمنافع اقتصادية مشتركة وجهودٌ تسعى لتحقيق الاستدامة

شراكاتٌ وثيقة بمنافع اقتصادية مشتركة وجهودٌ تسعى لتحقيق الاستدامة

يُنظر إلى كلٍّ من المملكة العربية السعودية والصين بوصفهما عضوين مهمين ضمن شبكة التجارة الدولية؛ ولطالما ترددت قوافل البضائع والأفكار ما بين البلدين على امتداد طرق التجارة القديمة المشهورة.

وفي الوقت الراهن، تمثِّل الصين أحد أسرع الاقتصادات نموًا على الصعيد العالمي، فيما تتبوّأ المملكة الريادة على صعيد إنتاج وتصدير بعض أجود أنواع النفط الخام في العالم؛ ومن هنا تنبثق بوضوح رابطةٌ تجارية تتسم بالمنفعة المشتركة للطرفين على حد سواء.

وتُعد الصين أكبر عملاء أرامكو السعودية، فيما تمثِّل الشركة أكبر موردي النفط إليها، حيث وفَّرت حوالي %17 من الواردات النفطية إلى الصين في النصف الأول من العام 2021م؛ ومع ذلك، فإن العلاقة بين الطرفين تمتد إلى ما هو أعمق من مجرَّد علاقة سطحية بين طرف بائع وآخر مشترٍ.

٣٠ عامًا من مبيعات الزيت العربي

في نهاية سبعينيات القرن الميلادي الماضي، شرع تنين الاقتصاد الصيني في النهوض من سباته، فيما أبحرت أولى شحنات أرامكو السعودية من الزيت العربي من رأس تنورة إلى الصين في شهر أكتوبر من عام 1991م.

ومنذ ذلك الحين، رفعت أرامكو السعودية على نحو مضطرد حجم إمدادتها من النفط الخام، إلى جانب إمدادات غاز البترول المسال ومنتجات أخرى، حيث تتضمن قائمة العملاء الصينيين في الوقت الراهن جميع مصافي التكرير المهمة، والأطراف الرئيسة في مجال البتروكيميائيات، من الجهات الحكومية والقطاعات الخاصة على حد سواء.

وعلى مدار ثلاثة عقود، أسهمت التنمية التجارية المذهلة في الصين على الصعيد العالمي في تحسين حياة المجتمعات هناك، فيما أسهمت إمدادات أرامكو السعودية من الطاقة الآمنة والموثوق بها في تحفيز هذا الإنجاز بشكل كبير.

وقد كانت الصين الدولة الكبرى الوحيدة التي نجحت في تحقيق نمو اقتصادي خلال عام 2020م، في ظل جائحة كوفيد-١٩، فيما أسهمت أرامكو السعودية في تلبية احتياجاتها من الطاقة دون تأخير أو انقطاع.

وترتبط أرامكو السعودية بالصين عبر صلة وثيقة من التعاون في جوانب الطاقة المختلفة، ومن أبرزها ما يتصل بالاستثمارات في مجال التكرير والمعالجة والتسويق، إلى جانب جهود الأبحاث، والروابط الهادفة مع المجتمعات هناك.

ترسيخ التعاون المشترك

وفي فترة وجيزة، أصبحت الصين إحدى أهم الأسواق بالنسبة لأرامكو السعودية في مجالي التكرير والبتروكيميائيات. وقد تم ترسيخ دعائم مهمة للتصنيع والتسويق في الصين، عندما وقعت إحدى الشركات التابعة للشركة مشروعين مشتركين عام 2007م.

وقد كان مشروع فوجيان المشترك للتكرير والبتروكيميائيات أول مشروع متكامل من نوعه في الصين بمشاركة أجنبية، حيث أسفر عن زيادة طاقة التكرير للمصفاة بمقدار ثلاثة أضعاف، من 80 ألف برميل في اليوم إلى 240 ألف برميل في اليوم، كما تضمَّن إضافة وحدات إنتاج للمواد البتروكيميائية، وفُرضة للنفط الخام.

كما أسفرت اتفاقية مع شركة سينوبيك سنمي (فوجيان) بتروليوم عن تسويق أنواع الوقود المُباعة بالجملة والتجزئة إلى العملاء في مقاطعة فوجيان، لتوزَّع من قرابة 1000 موقع للبيع بالتجزئة في تسع مدن، عبر شبكة تتكوَّن من 17 محطة عبر مختلف أنحاء المقاطعة.

وقادت اتفاقية أخرى مع شركة (سينوبيك) إلى إنشاء شركة (ينبع أرامكو سينوبيك للتكرير) في مدينة ينبع بالمملكة، التي تنتج أنواعًا ممتازة من وقود النقل، ومنتجات مكرَّرة عالية القيمة.

تُعد الصين أكبر عملاء أرامكو السعودية، فيما تمثِّل الشركة أكبر موردي النفط إليها، حيث وفَّرت حوالي %17 من الواردات النفطية إلى الصين في النصف الأول من العام 2021م

لتحميل نسخة عالية الجودة من "الإنفوغرافيك"

 

استثمارات صينية في المملكة

إلى جانب ذلك، أسفرت برامج التطوير الشاملة في كلا البلدين، عبر كلٍّ من مبادرة الحزام والطريق الصينية ورؤية المملكة 2030، عن توثيق العلاقة بينهما وتنمية الاستثمارات الصينية وأعمال المقاولات في المملكة.

وإلى جانب أنها تمثِّل سوقًا مهمة لتوريد المواد وتقديم الخدمات، تُعد الصين أيضًا شريكًا ضمن برنامج أرامكو السعودية لتعزيز القيمة المُضافة الإجمالية لقطاع التوريد في المملكة (اكتفاء)، الذي يستهدف توطين %70 من إجمالي المشتريات، وتعزيز سلسلة التوريد، وخلق فرص العمل.

وقد عملت أرامكو السعودية مع كثير من الجهات شبه الحكومية في الصين التي تسعى لتعزيز أعمالها في الخارج، ومن ضمنها رابطة (تشاينا أوفرسيز ديفلوبمينت أسوسييشن)، وشركة (تيانجين إكونوميك-تكنولوجيكال ديفلوبمينت إنفستمنت هولدينغ)، والغرفة الصينية للتجارة الدولية، وذلك بهدف الترويج لفرص الاستثمار ضمن برنامج (اكتفاء) واستقطاب المستثمرين الصينيين.

تغيُّر المناخ

وبينما تستمر حاجة الإنسانية في العصر الحديث إلى النفط في المستقبل المنظور، تمثِّل الموازنة بين الأهداف الاقتصادية وبين جهود إحياء البيئة وحمايتها أولوية يتحمَّل العالم عبأها أكثر من أي وقت مضى.

والصين بوصفها من أكبر مستهلكي النفط، وأرامكو السعودية بوصفها من أكبر منتجيه، كلاهما تلعب دورًا رئيسًا في خلق الظروف الملائمة لاقتصادات مستدامة تتضمَّن أقل الأضرار المحتملة على البيئة.

وليست جميع أنواع الزيت متساوية على هذا الصعيد، فعندما يختار العملاء في الصين أنواع الزيت العربي، فإنهم يتخذون قرارًا أكثر حكمة من الناحية البيئية؛ فالزيوت العربية تحظى بمعدلات كثافة نوعية عالية مرغوب فيها، وبأحد أقل مستويات الكثافة الكربونية الناشئة عن أعمال التنقيب والإنتاج على صعيد القطاع، كما أنها متوائمة إلى حد كبير مع أغلب المصافي العالمية.

حلولٌ منخفضة الكربون

ومن أجل تطوير النقل المستدام، يعقد مركز الأبحاث التابع لأرامكو السعودية في بكين شراكات مع الجامعات ومصنعي المركبات في الصين، كما تحرص الشركة على مشاركة أحدث التطورات فيما يتصل بأنواع الوقود الأكثر نظافة مع الأطراف الصينية ذات الصلة، حيث تلبي هذه الأنواع متطلبات المعيار الدولي (يورو 5).

ومع وجود شركة (سابك) ضمن شبكة أرامكو السعودية العالمية، فإن هناك الزخم المناسب والقدرة الإستراتيجية، إلى جانب مزيج من المنتجات الحالية والمستقبلية، لتوفير حلول عملية تحتاج إليها الصين في خضم عالم أكثر اهتمامًا بالانبعاثات الكربونية، ومن ضمن ذلك تقنية الشركة للتحويل المباشر للنفط الخام إلى كيميائيات.

هذه التقنية حديثة الطراز، التي تخضع للتجارب الاختبارية في بكين، يمكن لها أن تؤدي إلى تجنب عدد من خطوات المعالجة الوسيطة وتنظيمها، لتسفر عن مواد كيميائية ذات بصمة بيئية أفضل.

وقد وقعت أرامكو السعودية مذكرة تفاهم مع أحد الشركاء الصينيين لتأسيس مركز في الصين للتميُّز في مجال المواد اللامعدنية والمركَّبة المتقدِّمة، التي تتمتع بمواصفات متطورة بالمقارنة مع مواد الإنشاء التقليدية من قبيل الفولاذ.

روابط مجتمعية

الفهم المشترك للثقافة يمثِّل مفتاحًا لشراكات أعمال ناجحة؛ ومن هذا المنطلق، ابتعثت أرامكو السعودية أول دفعة من طلاب الجامعات للدراسة في الصين عام 1998م. واليوم، يعمل لدى الشركة أكثر من 80 مواطنًا سعوديًا من خريجي الجامعات الصينية، حيث يتحدَّث هؤلاء اللغة الصينية المندرينية بطلاقة، كما يعمل بعضهم ضمن أدوار مختلفة في الصين. يُضاف إلى ذلك أن %90 من موظفي الشركة في مركز أعمالها الآسيوي في بكين مواطنون صينيون.

إلى جانب ذلك، يتضمن برنامج المسؤولية المجتمعية لشركة (أرامكو آسيا) توفير فرص تعليمية وصحية أفضل للأطفال المحرومين في المناطق النائية، ومبادرات لحماية البيئة والإغاثة عند الكوارث.

وبينما تستمر أرامكو السعودية والصين في النمو معًا، يدرك كلا الطرفين ضرورة الموازنة العاجلة بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية؛ حيث تمهِّد الاستدامة طريقًا جديدًا للتبادل التجاري بين الشركة وشركائها في البلاد الصينية.

Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge