حوار مع كاتب

نكتب عن كل شيء يمس الروح

نكتب عن كل شيء يمس الروح

وفاء الراجح، قاصة سعودية صدر لها مجموعة قصصية بعنوان : "نداءات تخلع أصواتها".

 

•  نصوص مجموعتك "نداءات تخلع صوتها" أقرب لأن تكون نصوصًا تنتمي لفن القصة القصيرة جدًا بما يتطلبه من مهارات سردية خاصة تعتمد المفارقة والتكثيف اللغوي، ما الدافع نحو تبني هذا الاختيار؟

لا يتبنى الكاتب أسلوبًا بعينه، إنما يكتشف مع تجارب الكتابة وتطور مصادر الاطلاع الأسلوب الذي يبرع فيه ويتماهى مع أدواته. أحببت القصة لما فيها من معان مكثفة ومفارقات تظل عالقة في ذهن المتلقي حتى بعد إغلاق الكتاب. أسعى في الكتابة إلى تأصيل أسلوبي وترسيخه في ذاكرة القارئ، وأحبُّ أن يعرفني حتى لو لم يقرأ اسمي.

 

•  قلتِ من قبل: "يجب أن يكون الكاتب شجاعًا "لأنه سيعرض نفسه لانتقادات محتملة، أو لـ " التشريح النقدي" بحسب تعبيرك. لماذا مثل هذا التصور الذي يبدو "عاطفيًا" نوعًا ما لأنه لا يلتفت كثيرًا إلى الوظيفة الفنية للكتابة الإبداعية ومنها إمتاع القارئ؟

فصل الكاتب عن نصه كفصل الذراع عن الجسد. من وجهة نظري، على الكاتب أن يستقبل رفضه كما لو أنه قبول. النقد الدارج الآن ليس فنيًا، إنما يتجه نحو مطارح شخصية لا علاقة لها بالمكون الأدبي الذي صنعت منه المادة. وفي النهاية يحتكم النص وصاحبه إلى القارئ الذكي الذي ينتقي من الكتب ما لذ وطاب وما تشتهيه الذائقة.

 

•  بالحديث عن مجموعتك، "نداءات تخلع صوتها"، نجد أن عوالمها تدور بين مفردات تعكس إحساسًا بالعجز وخيبات الأمل والركض إلى المستحيل وانتظار ما لا يأتي، هل الأدب في تصورك أقرب لأن يكون أداة للتعبير عن طابع يميل إلى التشاؤم؟

الأدب يمثل الموضوع الذي يطرحه ويلعب في مضماره، ولا يصح أساسًا حشره في زاوية رمادية مثل هذه؛ ولأنه فن إبداعي فيجوز له ما يجوز لغيره من الفنون. وطالما أنه واسطة تعبيرية فكل إحساس وسلوك ومشاعر إنسانية يضع عليها يده قابلة للعرض والنقل والتدوير أيضًا. الكتابة، كما قلت سابقًا، هي خبر عاجل، أو إسعاف طارئ ومخرج لابد منه.

ثم إن الألم والشقاء وتوابعهما وقود الأدباء كما تعرف، وكما يُقال: "يولد الإبداع من رحم المعاناة". فالكاتب يستشعر الألم مضاعفًا ليلتقط له صورة ثلاثية الأبعاد، يتوجه إليه كصديق حميم يعاتبه ويوبخه ويشعره بالمسؤولية تجاه نفسه والآخرين. لولا مكابدة آلامنا ومعاناتنا لم نكتب حرفًا ولم نرسم لوحة ولم نخرج فلمًا. يكفي أن يشعر شخص واحد يقطن في مكان ما وحيدًا بالمشاركة دون أن يتحدث أو يتفوه بكلمة. في النهاية نحن نكتب بالنيابة عن كل شيء يمس الروح الإنسانية، ويشعرها إما بالضعف أو القوة. والكاتب مثل غيره يعايش ألمه وينتصر عليه ولو برواية سطر واحد عنه.

 

•  في نظرك هل من الضروري أن يتقاطع الإبداع الفني مع شذرات من سيرة المبدع نفسه؟ أقصد هل يتعين أن يعكس الكاتب بعضًا من ذاته في نصوصه؟

ليس بالضرورة، لكن إمكانية التقاء النص مع ذات الكاتب ممكنة. أحيانًا يفسر الماء وجه القمر وأحيانًا لا.  والإنسان الفنان ابن النهر؛ كيفما تجري حياته يجري إبداعه ويستقر في مكان يختار حدوده وعوالمه التي تتجلى فيها النهاية. نحن نلتقط النصوص من الأحوال والمظاهر الحياتية التي نعي تفاصيل عيشها، وهذا لا يحدث عادة إلا من خلال مخالطة المؤلف لهذه المكونات التي تحدث حوله.

 

•  وكيف تنظرين إلى قارئك؟ هل تجدين فيه المقدرة على تأويل المعنى وملء فراغات قصصك؟

قارئي على وجه الخصوص، يخيل إلي أنه كان فوق رأسي وأنا أكتب القصة. تدهشني تأويلاته التي تلتقي مرات بالمقصد الذي أبني عليه الفكرة. وعندما يخفق في ذلك في بعض المرات فإنه يسلط الضوء على بقع عمياء أستمد منها موضوعات خلَّاقة تشتغل في مناطق جديدة وحساسة. أحيانًا يطلب مني الجمهور أن أشرح كما تشرح الأستاذة، وهذا أكثر ما يضايقني حقيقة، فأنا لست مدرسة أو دكتورة في جامعة لأشرح مادة علمية. الكاتب، كما يحترم عقله عندما يعرض الفكرة ويسردها، يحترم عقل القارئ ويمنحه الأحقية في الولوج إلى مداخل النص ومخارجه.

Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge