إطلالة

مسارات الطريق .. مسارات الحياة

مسارات الطريق .. مسارات الحياة

المؤكد أنه صادفكم كثيرًا، وأنتم تقودون سياراتكم في الطرق متعددة المسارات، خاصة أثناء ما يعرف بـ«أوقات الذروة»، أي أوقات ذهاب الناس إلى أعمالهم، أو خروجهم منها، أو في المناسبات؛ كالأعياد وما إليها، أن السيارات في المسار الذي أنتم فيه، تتحرك ببطء، وربما تكون في حالة توقف تام، فيما هي في المسار الموازي لكم أو الذي يليه، تسير بصورة أسرع، فتجدون أنه من الأنسب لكم والأفضل أن تتحولوا إلى المسار الأسرع حركة، خاصة إذا كنتم على عجلة من أمركم لبلوغ مقاصدكم.

لكن كثيرًا ما يحدث ما هو غير متوقع أو محبذ، فما إن تنعطفوا نحو المسار الموازي، حتى يشاء حظكم العاثر أن السيارات التي أمامكم تتوقف فجأة، أو تسير، هي الأخرى، ببطء، فيما يحدث العكس تمامًا في المسار الذي خرجتم منه: تندفع فيه السيارات مسرعة، متجاوزة بكثير المكان الذي أصبحتم فيه، فينتابكم، لحظتها، الندم، لأنكم استعجلتم الأمر، ولوأنكم بقيتم حيث كنتم لوصلتم وجهتكم بشكل أسرع، خاصة حين يتعذر عليكم العودة إلى المسار الذي كنتم فيه نظرًا لسرعة تدافع السيارات فيه، كأن لسان حالكم يقول: فات الأوان!

مسارات الحياة مثل مسارات الطرق، خاصة السريعة منها. قد يكون أحدنا سائرًا في مسار مستقر، آمن إلى حدود كبيرة أو معقولة، لكن الطموح في الانتقال إلى مسار آخر أسرع قد يأتي إليه بنتائج وثمار أفضل، يحمله على التحوّل إليه، خاصة وأن من ساروا عليه، قبله، بلغوا مقاصدهم، فيما لا زال هو يرواح في المكان نفسه، أو يتحرك فيه ببطء، كبطء سير السيارات في المسار الواقف، لكنه سرعان ما يكتشف أن ما فعله كان مغامرة غير محسوبة، عادت عليه بالخسائر، وأفقدته ما كان لديه من مكاسب، أو نالت منها كثيرًا أو قليلًا، ولا ينتبه إلى ذلك إلا بعد فوات الأوان، حين تصبح العودة للقهقرى مستحيلة أو صعبة، ولا تخلو، فيما لو حاولها، من مخاطر.

هل هي دعوة للكفّ عن الطموح، ونحن نوقن تمامًا أن في الطموح شيء، قليل أو كثير من المغامرة، التي لا بدّ منها؟

بالتأكيد ليس هذا ما ندعو إليه. ربما الأصح القول إن ما يمكن أن نتعلمه من تجاربنا المتكررة، أقصد غير الناجحة، في تغيير مسارات الطريق ونحن نقود سياراتنا، هو التحلي بدرجة من الصبر، وألا نتعجل في اتخاذ القرارات، وقديمًا قالت العرب: إن النصر( وقيل الشجاعة) ما هو إلا صبر ساعة.

سأبدو ميالًا لجعل الصبر قرين الشجاعة، ففي ذلك ما يغري ويجذب، بحيث لا تبدو الدعوة إلى التريث والتروي في اتخاذ القرارات ترددًا أو جبنًا أو استسلامًا للصعوبات أو انهزامًا أمامها، وإنما بالعكس هي دعوة للتبصر، فالشجاعة تفقد الكثير من معانيها إن لم تقترن بالحكمة؛ حكمة تحديد الوقت المناسب للإقبال والوقت الملائم للإدبار.

 

د. حسن مدان: كاتب بحريني.
زاوية إطلالة مخصصة لنشر مقالات الكتّاب من خارج أرامكو السعودية.
Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge