إضاءة

النفط في الشعر العربي

النفط في الشعر العربي

لطالما أردت البحث عن حضور النفط في الشعر العربي، سواء كان على مستوى دول الخليج النفطية، أو على مستوى العالم العربي أجمع، ولأنني دائمًا أردد أن العربي الذي خلَّد بشعره سيفه وناقته وحصانه، لن يترك النفط الذي غيَّر حياته ونقلها من طور إلى طور، وأصبح السبب الأول للنقلة المفصلية التي نعيشها.

وحين بحثت عن حضور النفط في الأدب الخليجي لم أجد ذلك الحضور المتوقع الذي كنت أظنه، رغم أن إطلاق رأي كهذا يتطلب قراءة أكثر شمولًا لجميع النتاج الأدبي الخليجي منذ ظهور النفط حتى الآن. لكنك من نظرة سريعة تلحظ أن النفط لم يكن له إلا حضور ضعيف لا يرقى لأثره ودوره.

ففي الشعر العربي الفصيح على الصعيد المحلي، يحضر النفط غالبًا كدلالة على المرحلة الزمنية، كقول الشاعر عبدالعزيز العجلان:

أنا هنا.. قبل بئر النفط كنت هنا
قبل البداياتِ.. قبل الريح والحقبِ
عباءتي، خيمتي، البيدُ مملكتي
وموعد الحلم في مستوفز السُحُبِ

هنا يذكر الشاعر النفط كمرحلة يختلف ماقبلها عما بعدها، فيتحدث عن أرضه القفر وعن الفقر، وعن ارتباطه بها مذ كانت رملًا وريحًا، قبل أن يتدفق الخير من بطنها، وقبل أن تلين لسكانها، وكأن حضور الخيمة دلالة رمزية لشظف العيش تقابل رمزية النفط للرخاء.

أما غازي القصيبي، رحمه الله، فيقول في سياق آخر: "نفطٌ يقول الناس عن وطني.. ما أنصفوا وطني.. وطني هو المجد"، في رسالة لمن يختزل الوطن في النفط، مفادها أن في هذه الصحراء ما هو أعمق وأقدم من ذلك، ففي كل بقعة تاريخ ناطق، وفي شموخ كل نخلة مجد مرتفع. وفي السياق نفسه، يقول الشاعر عادل الحصيني:

بدوٌ وأحلامنا للريح نبعثها
فيهتف الكون إجلالًا لماضينا
هذا السواد ببطن الأرض من دمنا
لا شيء عن قبلة الأكوان يُقصينا

وخلال بحثي وقفت على أمثلة كثيرة مشابهة لما أوردت، حيث يقتصر الشاعر السعودي على بيان ارتباطه بأرضه قبل النفط، أو على الدفاع عنها ضد من يقول إنها ليست سوى برميل نفط.

أما على مستوى الشعر الخليجي، فإن الدكتور مانع العتيبة، وزير النفط الإماراتي السابق، يُعد من أكثر من كتب عن النفط، وله ديوان جميل أسماه (قصائد بترولية). يقول عن ذلك في أحد تصريحاته: "كنت أظن أن البترول مادة غير شعرية، ولكن بعد فترة وبروز أحداث ساخنة كثيرة في المنطقة، اكتشفت أن البترول مادة خصبة للشعر".

ختامًا، كنت ولا أزال أبحث عن حضور جلي للنفط في الشعر الفصيح المحلي ، يُشبه حضوره في الشعر الشعبي المحلي، مثل قصائد الجيل الأول من موظفي أرامكو السعودية، حيث تجده حتى في رسائل الحنين للديار، مثل قول الشاعر:

يا عبيد وإن انشِدَوا عنا
سكان في راس تنورة
شط البحر قبلةٍ منا
بديار مَن يلعب الكورة
يا عبيد حنا تِمدنَّا
كلن يولع بدافورَه

فهنا، ترى الشاعر يصف بداية التطورات التي شهدها العمال الأوائل في الشركة. والكلام يطول في هذا السياق، لكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق كما تقول العرب.

 

ترحب القافلة الأسبوعية بمشاركة الموظفين في الكتابة لزاوية إضاءة، وذلك لتعميم الفائدة من خلال ما يطرح فيها من أفكار متنوعة تعبّر عن آراء كتّابها.
Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge