إضاءة

نادمٌ أنا يا عمَّاه!

نادمٌ أنا يا عمَّاه!

كنت قد بلغت الخامسة والعشرين عندما امتلكت سيارتي الأولى من حُرّ مالي، وكانت قديمة قد أكل عليها الدهر وشرب! عندما عاينتها، تجمَّع على ماكينتها الفنيون يعاينون الزيوت التي تتسرب من هنا وهناك، والأسلاك التي تتداخل وتتشابك وتتقاطع بطريقة لم أفهمها. لكن المستشارون قالوا: "ما في مسكل سديك، ما في خوف". تمَّت البيعة! وظلَّت حكايتي معها طلب الدعم من الناس لمساعدتي في دفعها إلى أقرب ميكانيكي.

وذات صباح، جاء لص مسكين وسرق السيارة، فألقى طلاب المدرسة المجاورة القبض عليه عندما طلب منهم مساعدته في دفعها، فهم قد عرفوها لكثرة ما أعانوني عليها. وفي المحكمة يسأله القاضي: ماذا استخدمت لفتح السيارة؟ فأجاب: مسمار. وبماذا أدرت محركها؟ فأجاب: بـ "سلك" معدني. نزع القاضي نظارته عن عينيه، والتفت إليَّ متسائلًا: "إيش هالسيارة اللي تفتح بمسمار، وتشتغل بسلك!".

رغم كثرة عللها، خدمتني سيارتي بشكل رهيب، ولا أذكر أنني أهنتها، أو قصرت معها بشيء فهي من كدِّ يميني وعرق جبيني!

جلست مع ولدي بعد تخرجه من الجامعة يحدِّثني عن مشاريعه المستقبلية، يريد أن يسجل في دورة مهمة تزيد من فرص العمل، وعلى استحياء قال إنه يفكر بالزواج، ثم استأذنني للخروج بالسيارة لقضاء حاجة.

وبعد أقل من نصف ساعة، يرن جرس الهاتف فيرتعش قلبي. لم يقل كعادته: "هلا بالغالي، هلا بعقالي"، بل قال بصوت متعب: "أنا في المكان الفلاني وتعرضت لحادث". فسألته: هل الجميع بخير؟ فقال: نعم. ارتديت ملابسي وأنا أرتجف ولا أعرف ماذا قلت لأمه حينها، ولا أدري إلى أي حد كنت محافظًا على اتزاني، لكنني وصلت فلم أجد ولدي، وشاهدت أثر دماء على الشارع وعلى باب السيارة، التي اصطدمت بشجرة عريقة فقطعتها من جذورها، ثمّ ارتطمت بعمود للكهرباء فعطلته هو الآخر!

هرعت إلى المستشفى، ويا لطول المسافة ووعثاء قلبي، فقد كنت أتضرع إلى الله أن يعود ولدي معي! وصلت الطوارئ، فكان حوله الأطباء والممرضون، هذا يحدِّثه وينظر في عينيه، وهذه تمسح الدم عن وجهه، وآخر يحرك ساقيه، وأنا أقول يا ربِّ سلِّم!

قال لي الطبيب بعد فحوصات الأشعة إن عمرًا جديدًا كُتب لهيثم، لكنه يحتاج إلى مراقبة مدة 24 ساعة! لم أنم طوال هذه المدة، حتى تماثل بحمد الله للشفاء! قلت له: "لا يزال في العمر متَّسع للحصول على دورة البرمجة، والبحث عن شريكة الحياة، فاحمد الله يا أبا الأمير!".

فتى في السابعة عشر من العمر يملك رخصة مؤقتة جديدة، ومركبة جديدة تجاوز ولدي من اليسار على كتف الشارع، ثم بعد فوات الأوان حاول تعديل مساره فصدم مقدّمة المركبة فانحرفت، وجرى ما جرى! عندما هدأ الجميع، جاءني ذلك الشاب الوسيم وقبَّل رأسي وقال: "والله يا عمّ إنني نادم!". وأنا واثق أنه نادم وآسف فعلًا، ولكن هل ينفع الندم لو أن أحد هذين الشابين فقد حياته لا قدَّر الله، أو أُصيب بعاهة مستديمة؟ قلت له: "حمدًا لله على سلامتكما"، واكتفيت!

نعم أصبح الشباب يمتلكون المركبات في سن مبكرة! ربما تكون مهارتهم في القيادة قد نضجت، لكنهم يحتاجون مزيدًا من النضج ليحافظوا عليها وعلى أنفسهم، وعلى أرواح الآخرين!

 

ترحب القافلة الأسبوعية بمشاركة الموظفين في الكتابة لزاوية إضاءة، وذلك لتعميم الفائدة من خلال ما يطرح فيها من أفكار متنوعة تعبّر عن آراء كتّابها.
Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge