التوجه نحو الهيدروجين ومستقبل منخفض الكربون

التوجه نحو الهيدروجين ومستقبل منخفض الكربون
تعمل أرامكو على توفير البنية التحتية والتقنيات اللازمة للمساعدة في تشكيل اقتصاد طاقة واعد منخفض الكربون في المملكة العربية السعودية وخارجها.

تكمن أحد أكبر تحديات وقتنا الحالي في الحاجة إلى موازنة الطلب المتزايد على الطاقة الموثوقة بأسعار معقولة، مع الحاجة إلى الحد من انبعاثات الكربون وغيره من الغازات المسببة للاحتباس الحراري على مستوى العالم. ويسلط هذا النقاش الضوء على منتجات أرامكو الرئيسة من النفط والغاز، الموردَين الطبيعيين اللذين كانا من أسباب تحقيق النمو والرخاء على الصعيد العالمي لأكثر من قرن من الزمان. ولكن لا يزال أمام المواد الهيدروكربونية دور مهم تقدمه في مزيج الطاقة لبعض الوقت، فما هو الحل؟ وكيف يمكننا التحول نحو الاستدامة البيئية في قطاع النفط والغاز؟ 

استخدام ثاني أكسيد الكربون في أغراض مختلفة، وتسخير إمكانيات الهيدروجين
المطلوب هو مستقبل يُنظر فيه إلى سلسلة القيمة الهيدروكربونية من منظور جديد. مستقبل يستخدم فيه اقتصاد الكربون الدائري كإطار عمل ليس فقط لإدارة الانبعاثات وخفضها، بل أيضًا لإزالة الكربون من الغلاف الجوي (استخلاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء مباشرة) وتحويله إلى مورد قيّم، أكثر مما هو عليه بالفعل في مجموعة محدودة من التطبيقات التجارية. 

وقد ساعدتنا ممارساتنا المبتكرة في الحفاظ على مكانة الشركة بصفتها واحدة من منتجي النفط الخام الأقل كثافة كربونية في قطاع التنقيب والإنتاج. كما أننا نطرح، على نطاق صناعي، تقنيات مثل استخلاص الكربون وتخزينه؛ لاستخلاص الكربون من المصدر وإعادة استخدامه في منتجات متنوعة، مثل المواد البلاستيكية وأنواع الوقود والكيميائيات، أو لدعم الاستخلاص المحسن للنفط في حقولنا.

ونحن نعمل على تطوير البنية التحتية الهيدروجينية في المملكة العربية السعودية، لدعم طموح المملكة في أن تصبح أكبر منتج للهيدروجين في العالم. ويُعد الهيدروجين أحد العوامل التي يمكن أن تغير قواعد اللعبة في مجال تحول الطاقة؛ فهو موثوق وفعال ولا تنبعث منه أي غازات مسببة للاحتباس الحراري عند حرقه، على الرغم من أنه منتج مشتق في المقام الأول من الغاز الطبيعي، الذي لا يخلو من البصمة الكربونية الخاصة به. ومع ذلك، ينصب تركيزنا الحالي على تصنيع الهيدروجين الأزرق، وهي طريقة إنتاج يتم فيها استخلاص انبعاثات الكربون واحتجازها لتخزينها، أو لاستخدامها في عدد من العمليات المهمة، أو تحويلها إلى منتجات جديدة. وتسمى هذه الطريقة في إزالة الكربون من العمليات الصناعية، مثل إنتاج الهيدروجين، أو استخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه، ونحن نبحث في تطوير هذه التقنية وتحويل هذا المورد إلى سلعة تجارية على نطاق عالمي.

 

الهيدروجين - اسم جديد للطاقة

الهيدروجين عنصر كيميائي موجود بشكل طبيعي، وهو أبسط العناصر وأكثرها وفرة في الكون، ولكنه هنا على الأرض ليس متاحًا مجانًا بكميات كبيرة مجدية من الناحية التجارية تسمح باستخدامه مصدر طاقة للأغراض المنزلية أو الصناعية. وهذا يعني أنه يحتاج إلى فصله عن المركبات المتكونة مع العناصر الأخرى، ومعظمها من الهيدروكربونات. والطريقة الأكثر شيوعًا لإنتاجها هي إعادة تشكيل الغاز الطبيعي من خلال طريقة يتفاعل فيها الغاز الطبيعي مع بخار شديد الحرارة.

كان هناك حراك عالمي متزايد يدعو للنظر إلى الهيدروجين على أنه عنصر حاسم في التحول إلى طاقة أكثر كفاءة وبأسعار معقولة، مع إمكانية أن يحل محل الوقود ذي المحتوى الكربوني العالي في مجموعة كاملة من التطبيقات. وتشمل تلك التطبيقات توليد الطاقة والحرارة، وتموين الشاحنات بالوقود، وفي عمليات الإنتاج في القطاعات التي يصعب تقليص انبعاثاتها الكربونية مثل الإنشاءات والفولاذ والإسمنت. 

 
ومع انتقال السوق الآن من المفهوم إلى التطبيق، إذ من المقرر استثمار حوالي 570 مليار دولار أمريكي في إنتاج الهيدروجين بحلول عام 2030، فإننا نستفيد من ريادتنا في مجال التقنية والابتكار لإنشاء البنية التحتية اللازمة لتطوير تقنية إنتاج الهيدروجين الأزرق. على سبيل المثال، عملنا على تشغيل منشأة بتكلفة 12 مليار دولار أمريكي لإنتاج الهيدروجين والبخار والكهرباء في مصفاة جازان، في حين ستُستخدم كمية كبيرة من الغاز لإنتاج الهيدروجين سيكون مصدرها حقل الجافورة للغاز غير المصاحب، الذي من المقرر أن يبدأ تشغيله في عام 2025.

 

وقود المستقبل

للهيدروجين كوقود قدرة حقيقية على خفض الانبعاثات من وسائل النقل بشكل كبير، خاصة في مركبات الصناعات الثقيلة مثل الشاحنات المستخدمة في النقل والشحن. وتبحث أرامكو في الكيفية التي يمكن أن تجعل بها تكلفة الهيدروجين تنافسية مع توفيره على نطاق واسع لأنواع مختلفة من وسائل النقل الثقيل.

وفي سبيل ذلك، نعمل على تحسين خلايا الوقود الهيدروجيني للحد من الانبعاثات الناتجة عن وسائل النقل. وفي شهر يونيو 2024، وقعت الشركة اتفاقيات نهائية مع شركة جيلي وشركة رينو للاستحواذ على حصة 10% من أسهم شركة متخصصة في أنظمة الدفع الهجينة التي تجمع بين مزايا كل من خلايا الهيدروجين والبطاريات الكهربائية لتشغيل السيارة. تعمل خلايا الوقود الهيدروجيني على تزويد السيارة بالطاقة من خلال الجمع بين الهيدروجين والأكسجين، وبالتالي لا ينبعث منها عوادم غير بخار الماء فقط، فيما تقوم البطاريات الكهربائية بتخزين الطاقة الكهربائية لاستخدامها لاحقًا. وينتج عن هذا المزيج وسائل نقل أكثر كفاءة ذات انبعاثات منخفضة. ويهدف الاستثمار المقرر لأرامكو إلى دعم نمو الشركة، والمساهمة في جهود البحث والتطوير الرئيسة للوصول إلى حلول الوقود الاصطناعي وتقنيات الهيدروجين من الجيل القادم.

كما قمنا ببناء أول محطة وقود هيدروجيني في المملكة العربية السعودية، ونجحنا في تشغيل أسطول صغير من المركبات الهيدروجينية الاختبارية (مكون من سيارات وحافلات) في البيئة المحلية التي غالبًا ما تكون شاقة وقاسية. كما أن الهيدروجين عنصر أساسي في وقود الطائرات المستدام وهو السبيل الرئيس للحد من الانبعاثات الناجمة عن الرحلات الجوية في قطاع الطيران. وأرامكو لديها في هذا المجال عددًا من المشاريع البحثية والانتاجية الجاري تنفيذها حاليًا، منها استثمارها في شركة أوكسي سي يو OXCCU، وهي شركة متفرعة من جامعة أكسفورد ومقرها المملكة المتحدة. قام الفريق في شركة أوكسي سي يو بتطوير عملية تصنيعية من خطوة واحدة لإنتاج وقود "اصطناعي"، مصنوع عن طريق الجمع بين الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون، وصفت بأنها عملية ”رائدة“، وأعلنوا عن خطط لتدشين أول معمل تجريبي "عالمي" في مطار أكسفورد الإقليمي في سبتمبر 2024.

 

تصنيع وتصدير الهيدروجين الأزرق للمرة الأولى في العالم

على الرغم من أن الهيدروجين سيغير قواعد اللعبة كما هو متوقع، لا تزال هناك تحديات أمام اعتماده على نطاق واسع لعل منها صعوبة نقله، لا سيما عبر المسافات الطويلة. فالهيدروجين غاز شديد الاشتعال، مما يتطلب تبريده في درجة حرارة -253 درجة مئوية تحت الصفر حتى يمكن نقله في حالة سائلة، ويجب الحفاظ على درجة الحرارة هذه طوال فترة النقل، وهذا يتطلب استخدام خزانات مبردة (محكمة العزل) باهظة الثمن. أما الأمونيا، التي تتكون من ثلاثة أجزاء من الهيدروجين إلى جزء واحد من النيتروجين، فهي أسهل وأكثر أمانًا في النقل، لأنها أقل قابلية للاشتعال وتستفيد من البنية التحتية الحالية للإنتاج والإمداد.

في عام 2020، نجحت أرامكو ومعهد اقتصاديات الطاقة في اليابان، بالشراكة مع سابك، في شحن 40 طنًا من الأمونيا الزرقاء عالية الجودة إلى اليابان، حيث استخدمت لإنتاج كهرباء خالية من الانبعاثات الكربونية. وكان هذا المشروع "الأول من نوعه على مستوى العالم" بمثابة دليل مهم على سلسلة القيمة الكاملة للأمونيا الزرقاء، بدءًا من تحويل المواد الهيدروكربونية إلى هيدروجين ثم إلى الأمونيا، وصولًا إلى استخلاص واستخدام انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن ذلك. كما تم استخلاص خمسين طنًا من ثاني أكسيد الكربون و حقنها في آبار النفط لتحسين الإنتاج أو استخدامها في تصنيع ول.

ثم في عام 2022، دخلت أرامكو في شراكة مع "سابك للمغذيات الزراعية" من أجل شحن 25 ألف طن من الأمونيا الزرقاء إلى كوريا الجنوبية، وهو ما يمثل أول شحنة تجارية من الأمونيا الزرقاء في العالم.

وتتضمن خطواتنا التالية، العمل على استكشاف المزيد من الطرق لنقل الهيدروجين الأزرق والأمونيا واستخدامهما واعتمادهما، وتخصيص المزيد من الموارد لدراسة عملية تحويل هذه الأمونيا الزرقاء إلى هيدروجين، أو مايعرف باسم "التكسير العكسي". ويمثّل ذلك تقدمًا واعدًا نحو إنشاء مرافق إنتاج واسع النطاق للهيدروجين والأمونيا في المملكة العربية السعودية، ستشمل أيضًا استخلاص الكربون وتخزينه بكميات ضخمة. 

استخدام الكربون كأحد المواد الخام 

في حين أن خطط إنشاء أكبر مركز لاستخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه في الشرق الأوسط تعتبر أساسية لتطوير قطاع الهيدروجين الأزرق العالمي، يمكن استخدام ثاني أكسيد الكربون المستخلص بطرق عديدة ومهمة؛ مما يمنحه قيمة حقيقية ملموسة ليكون موردًا في حد ذاته.

لدينا بالفعل أحد أكبر مشاريع استخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه في الشرق الأوسط، والتي يمكنها فصل 800 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون في السنة في معمل معالجة الغاز في الحوية، قبل نقله إلى العثمانية. ومن هنا، يتم حقنه في مكمن حقل النفط (وهي عملية تُسمَّى الاستخلاص المحسن للنفط)، حيث يتم احتجاز الكربون بصورة آمنة ودعم الضغط في المكمن، مما يساعد على تعزيز كفاءة الإنتاج في الآبار الناضبة.

نحن نبحث أيضًا في كيفية توسيع نطاق استخدام أرامكو لثاني أكسيد الكربون لُقيمًا للمواد الكيميائية مثل ول، وفي عمليات مثل معالجة الخرسانة، التي ليست تمنع انبعاث ثاني أكسيد الكربون فحسب، بل تجعل الخرسانة أفضل أداءً وأكثر متانة. وبصفتنا عضوًا في مبادرة شركات النفط والغاز بشأن المناخ، فإننا نستثمر في الشركات التي تستكشف طرقًا لاستخدام ثاني أكسيد الكربون كمادة خام، مثل شركة  تقنيات إيكونيك، التي تستخدم أنظمة وسائط كيميائية تسمح بإحلال ثاني أكسيد الكربون المستخلص محل نصف كمية المواد الخام القائمة على الوقود الأحفوري المستخدمة في إنتاج البوليولات. والمعروف أن البوليولات هي المادة الأساس المستخدمة في إنتاج البولي يوريثان، المستخدم بدوره في منتجات متنوعة تتراوح من الأحذية إلى قطع غيار السيارات إلى عزل المباني.
 

 إعادة تشكيل سلسلة القيمة الهيدروكربونية

منذ نشأتها، دأبت أرامكو على الابتكار والتكيف مع ظروف السوق والتقنيات المتطورة، مع اتباع رؤية واضحة تقتضي الاستثمار في تقنيات المستقبل، مع توفير طاقة آمنة وموثوقة وبأسعار معقولة للعالم.

وإلى جانب أعمالنا الرئيسة التي تتمثل في إنتاج النفط والغاز والكيميائيات، نحن نعمل على توسيع نطاق تركيزنا ليشمل القطاعات الناشئة، ليس في مجال الهيدروجين وتقنيات استخلاص الكربون فقط، بل أيضًا في مجال المواد غير المعدنية والذكاء الاصطناعي ومصادر الطاقة المتجددة، على سبيل المثال، والتي تعد عناصر أساسية في عملية الانتقال إلى عالم خالٍ من الانبعاثات الكربونية ومستقبل أكثر استدامة. 
 
ولمزيد من المعلومات حول  لقطاع التنقيب والإنتاج في أرامكو، ومؤشرات القياس الأخرى المرتبطة بالانبعاثات، يُرجى الاطلاع على تقرير الاستدامة لعام 2023.
 
Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge