إطلالة

معرض الرياض للكتاب.. كرنفال جديد

معرض الرياض للكتاب.. كرنفال جديد

ليس بالضرورة أن تكون قارئًا لترتاد معرض الرياض الدولي للكتاب، فكل زائر يجد متعته بطريقة أو بأخرى داخل المعرض، ما بين الكتب والندوات والمسرحيات والعروض الفولكلورية ومتاجر القراء والمقاهي المكتظة، وكأننا في كرنفال ممتلئ بالحياة ويجمع البشر من كل حدب وصوب، في مزيج من النادر أن يُرى في معارض الكتب الأخرى؛ التي يتناول -معظمها- الكتاب وعوالم القراءة حصرًا.

هذه الحركة النابضة بالحياة هي منبع لهفتي لزيارة المعرض سنويًا، فالكتب أصبحت متاحة في كل مكان، إلا أن الحالة التي يصنعها معرض الرياض الدولي للكتاب قلما تتكرر، خاصة وأنه يجنح للتجديد في كل مرة. وهذا العام يعود لمقره القديم داخل حرم جامعة الملك سعود، وهو أمر تباينت حوله الانطباعات بين من يراه جيدًا وآخر اعتبره غير مرضٍ، إلا أنني مؤمنة دائمة بضرورة التغيير والتجريب.

وهناك تجربة جديدة في الندوات الحوارية المفتوحة داخل المعرض، حيث القاعات بلا حواجز ولا جدران، بحيث يضع كل زائر السماعة على أذنيه ليستمع لما يقوله المتحدثون في الندوة، ومن يمر بجوارهم يرى بشرًا ينصتون ويركزون بشكل صامت، فلا أحد يعلم ما يُقال سوى من يرتدي السماعة، وذلك في حالة عجيبة، تجعلك تستطيع الإنصات بوضوح في غمرة الازدحام.
وعن مضمون الندوات الثقافية المصاحبة، تبدو هذا العام متخصصةً إلى حد كبير، وتركز على موضوعات عميقة ربما لا يكترث لها القارئ العادي، لكنها قيمة للقارئ النهم، ولا أقصد هنا نخبوية البرنامج لكن هناك نقلة نوعية تظهر لنا أن المعرض يُحرك القارئ معه كل عام إلى منطقة أبعد قليلًا. ومن يواكب هذه التغييرات يلمس بوضوح ذلك، فالكتب التي تتم مناقشتها ضمن البرنامج الثقافي هي كتب رصينة وجادة، وكثير من الضيوف هم أيقونات ثقافية في الشعر والرواية وعلم الاجتماع وغير ذلك من صنوف الأدب.

وتمتد هذه الحالة «الكرنفاليّة» إلى الساحة الخارجية المصاحبة للمعرض، حيث تقام العروض الفولكلورية مساءً، وتُظهر موروث سلطنة عمان الشقيقة، باعتبارها ضيف شرف المعرض، وهي إضافة جديدة في معرض هذا العام حيث لا يقتصر حضور ضيف الشرف على جناحه الفسيح ودور النشر المشاركة، بل يمتد إلى الفرق الأدائية، بما يعزز من المفهوم الرحب والمتنوّع للثقافة.

كما أن التقنيات الذكية تستوقف بدورها زائر المعرض، والتي تتطور هي الأخرى عامًا تلو آخر. ولعلي أتحدث هنا عن جناح منصة «أطبع» في المعرض، الذي يعرض أول «سكان روبوت» في المملكة، والذي يقوم بعملية أرشفة الكتب القديمة ورقمنتها. ومن اللافت أيضًا أن الجناح الفسيح لمركز الرياض للدراسات والأبحاث -الشريك الثقافي للمعرض- يخلو من الكتب الورقية، حيث يوجه الزوار للموقع الغزير بالمواد الثقافية المقروءة عبر مسح «الكود»، مما يعطي دلالة إلى أننا ربما نتجه إلى معارض كتب تخلو من الكتب، ولكنها ممتلئة بالتقنيات المواكبة لمتطلبات المرحلة، وهذه المتغيرات -وغيرها الكثير- يرصدها المتلقي خلال جولته بين أروقة معرض الرياض الدولي للكتاب.



إيمان الخطاف: إعلامية سعودية.
زاوية إطلالة مخصصة لنشر مقالات الكتّاب من خارج أرامكو السعودية.

 

Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge