إضاءة

رحلة المؤسس مرت من هنا!

رحلة المؤسس مرت من هنا!

مع فجر كل يوم جديد، تغادر عشرات الحافلات محطتي السلمانية والمبرز جنوبي الأحساء حاملة أعدادًا كبيرة من الموظفين لتوزعهم على مقار أعمالهم في الدوائر الجنوبية من أعمال الغاز وبقية دوائر قطاع التنقيب والإنتاج.
تغادر هذه الحافلات بالاتجاه الجنوبي الغربي. فمنها ما يذهب إلى «العثمانيات»، ومنها ما يذهب إلى «الحويات»، ومنها ما يذهب إلى العضيلية. وفي أثناء رحلتها الصباحية، كل يوم، تمر هذه الحافلات بآبار الزرنوقة، وآبار هجرة ويسة، حتى توصل الموظفين بكل أمان إلى أماكن عملهم.

أما عنوان هذه المقالة فمستوحى من فكرة تلك الدراسة التاريخية والجغرافية لأحداث وتحركات الملك عبدالعزيز، يرحمه الله، لاسترداد الرياض. واستعادة دولة تأسست عام 1139هـ (1727م) وإحياء مجدها التليد وبناء صروح مجد جديدة لا تنتهي جيلًا بعد جيل.

ففي دراسة ميدانية رصينة قامت بها دارة الملك عبدالعزيز لتتبع سير وتحركات الملك المؤسس أثناء تلك الرحلة التي غادر بها الكويت متوجهًا إلى الرياض عازمًا على استعادة ملك آبائه وأجداده، واستكمال رحلة الدولة السعودية التي كانت قد بدأت قبل ذلك بمائتي عام؛ «اقترح» هذا المشروع صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، الذي كان أميرًا للرياض ورئيسًا لمجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز، «آنذاك». كان هذا المقترح الطموح واحدًا من حزمة التجهيزات المعدّة للاحتفال بمناسبة مرور مائة عام على توحيد البلاد التي تم الاحتفال بها قبل قرابة الخمسة والعشرين عامًا. وبالفعل تم التحضير المكثف لهذا المشروع وتم رصد الميزانيات اللازمة له. جُمعت المادة التاريخية من عشرات المصادر المدونة باللغتين العربية والإنجليزية، كما تم جمعها من صدور الرجال. تم اللقاء بسبعة عشر رجلًا من الرواة الثقاة الذين أضافوا لهذا المشروع جزءًا كبيرًا لم يكن موجودًا في المادة المكتوبة. ثم قام هذا الفريق بتنفيذ عدد من الرحلات المسحية الاستطلاعية التي بلغ مجموعها خمس رحلات، استغرق القيام بها قرابة العامين.

استهدفت هذه الرحلات بشكل رئيس مناهل المياه الواقعة على طريق القوافل الواصل مابين الكويت حتى الرياض. ثم كان أن توج هذا المشروع الفخم بكتاب يقع في زهاء المائتين وسبعين صفحة من القطع الكبير. كتاب يعتبر أصدق المراجع وأدقها في توثيق تلك الرحلة الميمونة.

إلا أن الطريف في أمر رحلة المؤسس الجسورة هو أنه توغل في أقصى الجافورة، ثم مكث في المنطقة مابين الجافورة ويبرين زهاء الخمسين يومًا، كانت تلك الخمسين يومًا مرحلة استطلاعية استخباراتية جس بها الملك قدرات خصمه، وقام ببعض المناورات، عادًا العدة للقيام بالخطوة الأكثر جرأة على الإطلاق.

ورد الملك ورفاقه الأربعين موارد المياه المذكورة آنفًا، الزرنوقه، وآبار ويسه التي تبعد عن معمل غاز العثمانية قرابة العشرة أميال. وظلوا يروحون ويغدون في تلك المنطقة ويستطلعون الأخبار ويتمونون من سوق القيصرية في الأحساء.

الآن، وفي لحظة كتابة هذه السطور يوجد عديد من معامل الغاز، ومعامل فرز الغاز من الزيت على هذه الطريق. لا تبعد الزرنوقة عن معمل فرز الغاز من الزيت «العثمانية رقم11» إلا مرمى حجر.
بل إن الواقف على جبل «عثيمين» الذي اكتسبت المنطقة اسمها منه يستطيع أن يرى هجرة ويسه إن هو نظر شرقًا، ويستطيع من مكانه أن يرى معامل فرز الغاز عن الزيت «عثمانية 12» و«عثمانية 4» و«عثمانية 13» إن هو أشاح بنظره جنوبًا.

لا نعلم على وجه اليقين إن كان الملك عبدالعزيز ورفاقه قد أناخوا ركابهم ذات مساء في المكان الذي تقوم عليه الآن أعمال إنشاء معمل غاز الجافورة العملاق للغاز غير التقليدي.

ولا نعلم إن كانوا قد باتوا ليلة قمراء في المكان الذي يقف عليه الآن معمل الحوية للغاز الطبيعي.
ربما قد تناولوا طعامهم ذات يوم، في المكان الذي يقع فيه الآن مبنى الإدارة لمعمل فرز الغاز من الزيت «حوية رقم 2»، أو ربما في المكان الذي تقع به ورش الصيانة في معمل غاز حرض.
ومن يدري، لعلهم استفاؤوا ذات يوم قائظ بظل جبل العضيلية الذي يحتضن الآن مبنى الإدارة التنفيذية لقطاع الغاز في منطقة الأعمال الجنوبية.

لا نعلم بطبيعة الحال، ولسنا متأكدين من ذلك، ولكن ما نحن أكيدون منه كل التأكيد، وما نحن واثقون منه كل الثقة، أن أحفاد أولئك الأبطال الأفذاذ هم من يقوم الآن بإدارة هذه المعامل، وإنتاج هذه الحقول. فسبعون ألف سعودي وسعودية، في مختلف مرافق أرامكو السعودية هم من يكمل اليوم مسيرة تلك الخمسين يومًا. هم من يستيقظ كل فجر، ويعمل بكل جد واجتهاد ليضعونا نحن السعوديين في مكاننا الطبيعي. مكاننا الذي منه «سنفاجئ العالم من جديد» كما قال سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ذات مرة. نعم، ذاك أمر نحن منه على يقين.


عبدالإله القحطاني، إدارة معمل الغاز بالعثمانية.
يرحب أرامكو لايف بمشاركة الموظفين في الكتابة لزاوية إضاءة، وذلك لتعميم الفائدة من خلال ما يطرح فيها من أفكار متنوعة تعبّر عن آراء كتّابها   cw@exchange.aramco.com.sa

 

 
Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge