سفر وسياحة

رحلة صيد في جزر بعيدة بالقرب من جاوه

رحلة صيد في جزر بعيدة بالقرب من جاوه

يقطن الطرف الشمالي الغربي من جزيرة بوتران، التي تقع شرق جزيرة جاوة، مجتمع التالانغو المضياف، على بعد نحو 160 كيلومترًا شمال غرب جزيرة بالي السياحية الشهيرة. ويفصل جزيرة بوتران، التي يبلغ طولها نحو 15 كيلومترًا وعرضها 4 كيلومترات، عن جزيرة مادورا مضيق بحر جاوة، الذي يستطيع الناس اجتيازه بالعبّارة أو بزورق السامبان، وهو قارب خشبي تقليدي شائع في المياه الإندونيسية.

ولم تطرق السياحة العالمية أبواب جزيرة بوتران حتى الآن بسبب بعدها وعدم وجود فنادق سكنية فيها أو بيوت ضيافة، ولكنني كنت هناك في شهر أغسطس لزيارة عائلتي في الجزيرة التي أمضت زوجتي معظم طفولتها فيها. وقد حفّزتنا قوارب الصيد والعبّارات والأطعمة البحرية والنسمات المالحة التي تعم الجزيرة على الصيد خلال زيارتنا.

 

وفي صباح مغامرتنا التي ذهبنا فيها لصيد السمك، انطلقنا مبكرًا بعد تناول وجبة الإفطار التي اشتملت على الأسماك الطازجة والأرز والسوتو (حساء ذو نكهة شهية) وفطائر الكسافا المقلية والقهوة، وركبنا زورق السامبان في ميناء تالانغو الحيوي الذي يزخر على الدوام بأناس متوجهين إلى السوق أو منتظرين للعبّارة التالية. وكان سائقو «الباشاك»، وهي دراجة أُجرة بمقعد كبير وثلاث عجلات، مصطفين كعادتهم، يشربون الشاي وينتظرون الزبائن.

وكان من ضمن فريق الصيد الصغير شخص اسمه هاريس، وهو مدير متقاعد عَمل في المدرسة الابتدائية في تالانغو لمدة 36 عامًا، وشخص آخر اسمه هاني يعمل مدرسًا لطلاب الصف الرابع في كالينجيت، على الجهة الأخرى من المضيق مباشرة من تالانغو. وكان قبطاننا اسمه شمصول، وقد عاش في تالانغو طوال حياته يتكسب رزقه من نقل الناس بين الجزر. ولحسن حظنا، كان لديهم جميعًا المعرفة اللازمة لتحديد أفضل المواقع لصيد الأسماك، مثلهم مثل سائق سيارة الأجرة في لندن الذي يعرف الطريق إلى أزقة لا يعرف مكانها أحد.

 

فكّرنا في التوقف في جيلي لاباك، تلك الجزيرة المرجانية الصغيرة التي حظيت بشعبية كبيرة لدى الغواصين والمسافرين في رحلات سياحية ليوم واحد. فقد سحرتنا في زيارة سابقة، فتنة تلك البقعة المنعزلة التي احتفظت ببدائيتها، وقوارب الصيد المطلية بألوان زاهية ، والتي انحسر عنها المد فألقاها على الشاطئ، غير أن أمواج موسم الشتاء العاتية جعلت الزيارة هذه المرة غير ممكنة. ولربما حال الجوع حينها دون احتفاظنا بإفطارنا الذي تلذذنا بتناوله قبل ساعة. وبعد أن غاب ميناء تالانغو عن أنظارنا، أخذت الأمواج تزداد شدة وقوة حتى بدأ القارب يتأرجح من جانب إلى آخر كما لو كنا جالسين في إحدى عربات الملاهي الأفعوانية.

تتميز مناطق الصيد المحيطة ببوتران في الغالب بأعواد الخيزران الطويلة التي تبرز إلى مسافة عالية فوق سطح الماء، حيث يمكن رصدها من مسافة قد تصل إلى ميل. وعلى الرغم من أنها تبدو عشوائية في طريقة توزيع أماكنها، إلا أنها تساعد في تحديد مناطق الصيد وتوفير نقاط لربط القوارب ومنعها من الانجراف.

وبعد الوصول إلى نقطة الصيد الأولى، ربط هاني وشمصول زورق السامبان في المكان، فيما أعد هاريس خيطًا وخطّافًا لجذب الأسماك.

سعدنا بتولي مُضيفينا مهمة تحضير الخطاطيف وتعليق الجمبري فيها طُعمًا للسمك دون أي مساعدة منا، فمن الواضح أن قدرتهم على تحمّل الجوع تفوق قدرتنا. وطوّح هاريس وهاني سنارتيهما من فوق ظهر المركب عدة مرات فيما كنا ننتظر لنرى ما سيحدث بعدها. وسألنا أنفسنا عدة أسئلة، ما نوع الأسماك التي كانت موجودة، وهل ستعض حال صيدها؟ وكم سيستغرق الأمر لصيد كمية كافية من الأسماك قبل أن نتمكن من العودة إلى منطقة أكثر هدوءًا؟

 

وفي نهاية المطاف، استطاع هاني صيد سمكة قاروص آسيوية. وقد تلألأت حراشفها الفضية في ضوء الشمس في ساعات الصباح الأخيرة فيما رفع هاني جائزته وهي تتلوى وتضطرب لألتقط له صورة بعدسة كاميرتي. ولكن للأسف، لم تدم فرحتنا بالإمساك بهذا المخلوق المعجزة طويلًا. فبعد نحو ثلاثين دقيقة، وبعد اخفاقنا في إدخال أي سمكة أخرى إلى القارب، قمنا بسحب المرساة، وفك رباط الزورق وانتقلنا إلى موقع آخر على بعد نصف ميل تقريبًا.

وجربنا في رحلتنا هذه أربع مناطق صيد مختلفة، ولكننا لم نصطد إلا ثلاث أسماك، إلا أن أسماك القاروص كانت كبيرة بما يكفي لوجبة العشاء. وأخبرنا مضيفونا في وقت لاحق بأن هذا الوقت من شهر أغسطس ليس الموسم الأفضل لصيد الأسماك في بوتران. وعلى الرغم من غنيمتنا البسيطة، فإن تجربة الصيد في زورق سامبان تقليدي ومشاهدة جمال البحر، إلى جانب منظر ساحل مادورا الأخّاذ، الذي يحجبه إلى حد ما ضباب أزرق مائل للأخضر، كانت مكافأة كافية لوحدها.

 
وقبل العودة إلى المرفأ، توقفنا عند خليج محمي أحاطت به رمال شاطئ بونجوك بادكي الطينية. وقد رأينا بعض «هياكل» الخيزران التي تطفو، والتي يستخدمها القرويون المحليون لحصد الأعشاب البحرية، حيث تعتبر موردًا قيمًا لتصنيع المأكولات الشعبية والمنتجات الدوائية. وبعد أن غادرنا الخليج، رأينا قوارب أخرى راسية عند مناطق الصيد المفضلة، ورجونا أن يكون أصحابها أوفر حظًا منا. لم نخرج من رحلات الصيد هذه بكم وافر من الأسماك، ولكن هاريس حاول رفع معنوياتنا قائلًا: «هناك دائمًا وقت للتحسين».
Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge