واجهت سلاسل الإمداد وحركات النقل العالمية في السنوات الأخيرة أصعب تحدياتها منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك ناتج عن عوامل عدة من أبرزها جائحة كوفيد-١٩، والأوضاع السياسية الحالية حول العالم وما تلاهما من ارتفاع لأسعار الشحن والوقود والمنتجات الغذائية، إضافةً إلى وصول عديد من المصانع إلى حد طاقتها الإنتاجية. تلك الأزمات أبرزت ضرورة اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لضمان استمرارية سلاسل الإمداد ومرونتها لتساعد على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وكذلك الأمن الغذائي.
تساعد التقنية الحديثة وبالذات ما يندرج تحت مظلة الثورة الصناعة الرابعة (IR 4.0) على الوصول إلى عنصرين رئيسين: التنبؤ بالمشكلات المحتملة والتنبيه لها، وكذلك حلّها من خلال توفير حلول بديلة. فعلى سبيل المثال؛ كانت إحدى أكبر المشكلات التي تواجه العالم أثناء جائحة كوفيد-١٩ مشكلة تتعلق بالخدمات اللوجستية، مما أدى إلى تأخير أو إلغاء الطلبات أو رفض استقبالها من البداية لعدم القدرة على الإيفاء بها نتيجة حظر التجول وصعوبات التنقل وقتها.
تحول في دور العنصر البشري
وفي هذه الحالة، كان أحد الحلول هو في تقليل الاعتماد على العنصر البشري في التوصيل الفعلي للمواد وتغيير مهمته إلى إدارة التقنية التي تقوم بذلك بدلًا منه مثل؛ تقنية الطائرات المُسيرة بدون طيار في توصيل المواد ذات الأحجام الصغيرة. وبدأت شركة أمازون في تجربة هذه الطريقة منذ عام 2016م عندما أسست شركة جديدة تابعة لها تحت اسم «أمازون برايم إير» وبدأت العام الماضي في توصيل الطلبات إلى الزبائن في مناطق محددة.
ومن مزايا استخدام تلك التقنية في التوصيل هي التكلفة المنخفضة على المدى البعيد مقارنةً باستخدام السيارات، وكذلك في سرعتها نظرًا لقدرتها على تفادي الازدحام المروري. إذ تعد أمازون الزبائن بالتوصيل خلال ساعة واحدة من إتمام الطلب. إن تسخير مثل هذه التقنية قد يصنع الفرق، خاصةً حين تكون حاجة ضرورية لتوصيل طرود طارئة كالمواد الطبية أو نواقص مفاجئة لإنجاز مشروع ما.
ولا يقتصر استخدام التقنية على ذلك فقط، بل يمكن أيضًا الاستفادة منها في الخدمات اللوجستية من المركبات ذاتية التحكم التي تُمِّكن سلاسل الإمداد من الاستجابة السريعة لطلبات العملاء، بالإضافة لكونها أكثر سلامة عند استخدامها في أماكن مثل المستودعات أو المخازن نظرًا لنظام تشغيلها الآلي البحت.
ولتطوير التتبع، يعتبر استخدام المستشعرات الذكية عن طريق تركيب شرائح تحديد الهوية بموجات الراديو، أحد أفضل الحلول الحديثة لتحسين مراقبة الشحنات والمواد من أجل تحقيق وضوح أفضل وشفافية أعلى فيما يخص خدمات سلاسل الإمداد المقدمة.
طريق استثمارات مفتوح في التقنية
لا تزال التقنية الحديثة ومكونات الثورة الصناعية الرابعة تعدُّ ناشئة، فكل يوم يكتشف العالم استخدامات جديدة لها القدرة على تغيير سير الصناعة والأعمال اليومية كما نعرفها. وبما أن المملكة كعادتها سباقة في شتى المجالات، فقد ركزت على هذا المجال من خلال عدة مبادرات من ضمنها تدشين مركز الثورة الصناعية الرابعة برعاية مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وكذلك من خلال الهيئات والشركات مثل أرامكو السعودية التي أسست مركز الثورة الصناعية الرابعة بهدف تطوير التقنيات الرقمية المتطورة وريادة الابتكار في مجالاتها.
إن التطور العالمي المتسارع في مجالات التقنية الحديثة يعزز أهمية الاستثمار فيها لتطوير جودة الإنتاج وكفاءته والعقول التي تقف خلفه، وكذلك لتفادي أية أزمات محتملة على سلاسل الإمداد، فلابد من تذكر أن تكلفة تطوير وتطبيق تلك التقنيات المتطورة قد يكون أقل بكثير من تكلفة تعويض الخسائر الناتجة عن عدم الاستعداد للمخاطر المحتملة.
