أثارت كتب ودورات التنمية البشرية وتطوير الذات وما شابه ذلك من موضوعات جدلًا كبيرًا بين المثقفين، فمنهم من يُعدُّها وهمًا خادعًا وآخرون يُقرّون بها علمًا نافعًا. فأي الفريقين على الصواب؟
وقبل الإجابة على هذا السؤال، يجدر التنويه أن مسمى التنمية البشرية المقصود هنا يختلف عن نفس المسمى أو المؤشر الذي وضعه عالم الاقتصاد الباكستاني، محبوب الحق، والمعتمد من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لقياس مستوى رفاهية الشعوب.
ولنبدأ بالإجابة المباشرة، لنقول إن المهارات الحياتية والقدرات المهنية، وكذلك نقل الخبرات البشرية التي منها على سبيل المثال مهارات التواصل، وفنون الإلقاء، ومهارات التفاوض، وحل المشكلات، ومهارات الكتابة، وإدارة الوقت، والقيادة بشكل عام جميعها مهارات تتوفر فيها ثلاثة شروط: أولًا إمكانية تعريفها بكلمات بسيطة ومفهومة، ثانيًا يمكن تحديد أهدافها بجمل تحتوي على أفعال واقعية، ثالثًا يمكن قياس مخرجاتها وتحسين نتائجها لدى الفرد لذلك يمكن إدراجها تحت مظلة تطوير الكفاءات البشرية بلا تردد.
وعلى الطرف الآخر فإن ما انتشر من محاضرات ومواد سمعية وبصرية وكتب تشمل فقط على كلمات التحفيز المنمقة، وتعظيم قدرات الإنسان الروحية بمعزل عن الأدوات العلمية التي تمكنه من تحقيق أهدافه، وكذلك الادعاءات التي يستحيل قياس مخرجاتها مثل ما يسمى قوانين الجذب وعلوم الطاقة والبرمجة العصبية اللغوية وغيرها فهي مجرد فرضيات وعبارات رنانة فاتنة لا تثمر على أرض الواقع شيئًا ملموسًا ولا تنتمي للعلم لا من قريب ولا بعيد، بل تدمر المنهج العلمي والمبدأ الديني الأصيل بأن النجاح والتغيير هما ثمرة العمل الجاد والأخذ بالأسباب مع توفيق الله.
تقول كلوديا تاونسند من جامعة ميامي في نقدها لمن يعظمون قدرات البشر وأنهم يستطيعون تحقيق الأهداف الكبيرة بمجرد توفر العزيمة والإرادة: «إن الأهداف الكبيرة والبعيدة قد تقضي على أحلامك تمامًا. فكيف يمكن لشخص أن يتسلق جبلًا وهو ينظر إلى القمة فقط، وليس إلى موضع قدمه؟». كما ذكر توماس ويتكوفسكي المختص بعلم النفس في بحث أجراه سنة ٢٠٠٩م بعنوان (٣٥ سنة من البحث في البرمجة اللغوية العصبية) أن البرمجة اللغوية العصبية تمثّل هراء شبه علمي. وقال الدكتور مايكل كورباليس أستاذ علم النفسِ الفخريُّ بجامعة أوكلاند، نيوزيلندا إن البرمجة اللغوية العصبية عنوان مضلّل جدًا، فقد صِيغَ ليُحدث انطباعًا بأنه يحمل قيمةً علمية يفتقر إليها حقيقة.
وعلى نفس المنوال يمكن الحكم على الدورات التدريبية وكتب تنمية المهارات. فالدورات والكتب التي تدعي لنفسها علمًا خاصًا، ولا تعتمد على النظريات والتجارب المثبتة، هي مضيعة للوقت والجهد والمال. ففي عام ٢٠١٧م، مُنعت جميع ممارسات علم نشاط العلاج بالطاقة (الريكي) أو التدريب عليه في المملكة. أما الدورات والكتب التي تقوم على تنمية المهارات وإعطاء أدوات وإستراتيجيات تطبيق، وتؤدّي إلى المهارات العلمية دون ادعاء حلول سحرية وتغييرات خيالية فورية فهي تقع تحت مظلة الإرشاد التعليمي والتوجيه المنطقي. وكذلك الدورات والكتب التي تشارك التجارب البشرية الناجحة فهي لا بأس بها لأنها لا تدعي أنها العلاج الناجع لمشكلات الكون بل هي تجارب ناجحة يمكن أن تكون ملهمة مع عدم ضمان الحصول على النتيجة نفسها لكل إنسان نظرًا لتدخل عوامل أخرى عند التطبيق.
إن البشر يطمحون دائمًا للنجاح وتحقيق الأهداف المهنية والاجتماعية والصحية، ولكن لابد أن ندرك أن هذه الأهداف هي أكبر من أن تحققها كلمات التحفيز أو دورات الإلهام. لقد أوضح لنا الدين وأثبت العلم أنه على قدر الهدف يكون السعي وأنه لا نجاح بلا عمل، بل وبلا ألم وتضحيات في أغلب الأوقات.
أحمد عبدالمعطي، إدارة الجودة في قسم تدريب القوى العاملة بمنطقة أعمال الزيت الجنوبية
يرحب أرامكو لايف بمشاركة الموظفين في الكتابة لزاوية إضاءة، وذلك لتعميم الفائدة من خلال ما يطرح فيها من أفكار متنوعة تعبّر عن آراء كتّابها.