إضاءة

بين الروايات المترجمة والمحلية

بين الروايات المترجمة والمحلية

كلّما زرتُ مكتبةً أو معرض كتاب ما، تلوح أمام عيني عناوين روايات عربية كثيرة وروايات مترجمة أكثر منها بكثير! أتردد كثيرًا في اقتناء الروايات العربية ما لم تكن أسماء كتّابها معروفة في الوسط الأدبي كفاية، بعكس الروايات المترجمة التي يكون مستوى ترددي في اقتنائها أقل خصوصًا مع أسماء مترجمين ممن اكتسبوا ثقتي بهم وباختياراتهم للكتب المترجمة.

ولطالما تساءلت بيني وبين نفسي: أين يكمن الخلل؟ لماذا فقدتُ ثقتي في مستوى عديد من الروايات العربية بشكل عام والمعاصرة منها بشكل خاص؟ وأعتقد أنها ليست حالة فردية بل حالة يشعر بها كثير من القرّاء، وهذا ما أتلمسه شخصيًّا من متابعتي لمراجعات القراء وتوصياتهم على وسائل التواصل الاجتماعي أو في اللقاءات الأدبيّة الودّية.

أعتقد أن هناك عدّة عوامل مهمة تقف وراء ذلك، أوّلها خوضي في تجارب سيئة سابقة مع بعض الروايات العربية، حتى تلك التي يُشير إليها البعض بالبنان.

الأمر الآخر هو دخول عديد من الأسماء العربية إلى عالم الرواية دون الوعي الكافي بأدواتها، ممّا أّدى إلى ضعف الرواية وترهّلها، وبالتالي تراخي الحبل الذي يربط القارئ بالرواية حتى النهاية. ناهيك عن أن كتّاب هذا النوع من الروايات يأتون برؤية سطحية للرواية، على أنها مجرد قصة وحسب، فيتم التركيز على الحبكة بشكل مبالغ فيه.

في حين أن الرواية في جذورها ليست سوى أداة لسبر العالم الداخلي للإنسان وتفكيك لبنى العالم الخارجي لهدمه وإعادة بنائه من جديد بما يحمل كاتبها من رؤى كونية شاملة وفهم متشعب في حقول معرفية فلسفية ونفسية عديدة.

وعندما نقارن بين الروايات التي تصل إلينا عن طريق الترجمة والروايات العربية على هذا المستوى الشامل، سنجد أن الكفة الراجحة هي كفة الروايات المترجمة، وإن وصلنا بعض الروايات المترجمة دون المستوى المأمول.

من جهة أخرى، أعتقد أن مما أسهم أيضًا في استسهال التعاطي مع الرواية المحلية هو سهولة النشر عندنا و«الفوضى» التي تطغى عليه من دون معايير جمالية وآليات واضحة تستند لها دور النشر في اختيار المادة المطبوعة، بينما هذه الفوضى توقفت في السوق العالمي للكتب المترجمة حيث باتت أكثر وضوحًا من حيث الآليات وباتت هناك حقوق ترجمة على الدار أن تنافس الدور الأخرى للحصول عليها.

وهذا مما قنّن حالة الفوضى التي كانت سائدة سابقًا في عمليات الترجمة في أسواق النشر العربية. ونتيجة لذلك أصبحت دور النشر أكثر حرصًا في انتقاء عناوين ما تود ترجمته، بينما في المقابل نجد حرصًا أقل في جودة النتاج الروائي العربي المطبوع.

هذه بعض الأسباب التي أراها جوهرية في زعزعة الثقة بين القارئ العربي ومعظم الروايات العربية. وكقارئ عربي يتردد في اقتناء الروايات العربية كلما زار مكتبة أو معرض كتاب ما، أسترجع هذا الشعور الآن وأنا أنهي هذه المقالة بحسرة هائلة.

 

ترحب القافلة الأسبوعية بمشاركة الموظفين في الكتابة لزاوية إضاءة، وذلك لتعميم الفائدة من خلال ما يطرح فيها من أفكار متنوعة تعبّر عن آراء كتّابها. cw@exchange.aramco.com.sa
Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge