أرامكو على مشارف التسعين.. صبية لا تعبأ بالسنين

أرامكو على مشارف التسعين.. صبية لا تعبأ بالسنين

أطفأت أرامكو السعودية يوم الأحد 29 مايو 2022م شمعتها الـ89، وهي في عصر ذهبي يجعلها متفردة بين شركات العالم في حجمها وقوتها وقيمتها السوقية وربحيتها وسمعتها وآفاقها المستقبلية.

وبإذن الله، ستكمل الشركة العام المقبل 90 عامًا، وهي من قوة إلى قوة أكبر، فهنيئًا لكل من عمل فيها عبر السنين وأسهم في بنائها الصلب وتميزها، وهنيئًا للجيل الشاب الذي أصبح يشكّل الأغلبية بين موظفي وموظفات الشركة اليوم ويقود برامج تطويرية غير مسبوقة في أعمال الشركة.

وقد تداولت بعض مجموعات الواتساب، مؤخرًا، صورة أرشيفية تُظهر سلسلة الرؤساء التنفيذيين الذين تعاقبوا على قيادة أرامكو السعودية بدءًا من السيد هاري كوليير عام 1940م، وصولًا إلى المهندس أمين الناصر، الذي يُعد الرئيس التنفيذي رقم 14 لأرامكو السعودية (علمًا أن الصورة المنشورة التي تداولها الناس تُظِهر 13 من الرؤساء التنفيذيين للشركة).

وحيث أن أعمال الشركة قد بدأت بعد اتفاقية الامتياز عام 1933م، وهذه الصور تُظِهر الرؤساء التنفيذيين بدءًا من العام 1940م، فيا ترى من هم رؤساء الشركة في الفترة التي سبقت ذلك من 1933-1940م؟

في تلك الفترة لم يكن اسم الشركة أرامكو، وقد تأسست قانونيًّا في نوفمبر 1933م كي تدير وتنفذ اتفاقية الامتياز مع حكومة المملكة التي وُقّعت قبل ذلك بـ 6 شهور، وكانت بمثابة شركة ناشئة تشبه ما نسميه اليوم شركات رأس المال الجريء، خاصة وأن تلك الفترة صادفت الكسادَ العظيمَ في الولايات المتحدة الأمريكية.

أما الاسم الذي حملته الشركة حينها فقد كان كاسوك، وهو مختصر للاسم الكامل «كاليفورنيا أريبيان ستاندرد أويل كومباني»، وكانت مملوكة بالكامل لشركة سوكال (حاليًّا شيفرون). وأثناء مرحلة الحفر لاكتشاف النفط في حقل الدمام عام 1936م، انضمت لها شركة تكساكو وأصبحت تملك نصف كاسوك.

حقبة جديدة يهيمن عليها النفط

ومع اكتشاف النفط في بئر الخير عام 1938م وبداية التصدير على نطاق عالمي عام 1939م، بدأ طموح الشركة يكبر، ولكن ما لبثت الحرب العالمية الثانية أن كشّرت عن أنيابها وألقت بظلالها على الشركة، بما في ذلك القنابل التي سقطت على الظهران في اكتوبر 1940م، فتراجع العمل حتى أوشك على التوقف في الفترة 1941-1942م، ثم بدأ ينمو تدريجيًّا في 1943م.

وفي العام 1944م، بدأت تتضح صورة العالم الجديد، وأظهرت نموًّا إيجابيًّا كافيًا لتدشين حقبة جديدة يتبوأ فيها النفط مكانته التي نعرفها الآن. فحتى ذلك الوقت، كان الفحم يتسيد مصادر الطاقة في العالم. كذلك اتضحت آفاق نمو الطلب على النفط السعودي خاصة لإعادة إعمار أوروبا في مرحلة ما بعد الحرب.

وحتى تلك اللحظة كانت الشركة بمثابة ذراع ميدانية في المملكة للشركتين الأمريكيتين في كاليفورنيا وتكساس. وكان رئيس أرامكو (التي سُميّت عام 1944م بهذا الاسم) يتخذ من سان فرانسيسكو مقرًّا لعمله.

في الواقع، أول رئيس president للشركة هو فريد ديفيز، وتم تعيينه في ذلك المنصب في سان فرانسيسكو عام 1940م، وكان قبلها بعدة سنوات جيولوجيًّا ألمعيًّا في البحرين، وقد قاده حدسه وتدريبه العملي في العام 1930م، بعد أن صعد جبل دخان في البحرين على ارتفاع 130 مترًا فوق سطح البحر ولمح على بعد 40 كيلومترًا مرتفعات الظهران التي تشبه في شكلها جبل دخان الواعد آنذاك باحتضان الثروة النفطية، إلى أن يطلب من شركته في كاليفورنيا الحصول على امتياز للنفط في شرق الجزيرة العربية، وهو ما حدث بالفعل، إذ أن تلك الرغبة توافقت مع إرادة الملك عبدالعزيز في استكشاف الثروات الكامنة في مملكته التي كانت في آخر مراحل التوحيد.

انتقل ديفيز إلى الظهران في أواسط الثلاثينيات وشهد أعمال التنقيب والحفر الأولى.

وهو يُعد بحق من الآباء الأمريكيين المؤسسين للشركة مثل ستاينكي وهاملتون وغيرهم.

طفرة في الأعمال

أما أول رئيس تنفيذي CEO للشركة فهو السيد هاري كولير، وكان ذلك منذ العام 1940م، في حين كان السيد آر ستونر أول رئيس مجلس إدارة للشركة، وكان ذلك قبل أن يصبح اسمها أرامكو.

ولكن السيد كولير هو الذي كان رئيسًا تنفيذيًّا ورئيسًا لمجلس الإدارة في السنوات التي شهدت فيها الشركة أول طفرة. فمنذ بداية العام 1944م، وكان ذلك قبل نهاية الحرب العالمية الثانية بنحو سنة ونصف، شهدت الشركة طفرة في الأعمال ومن ضمنها مشروع بناء مصفاة رأس تنورة وتوسّعت أعمال الشركة وزاد الإنتاج من نحو 20 ألف برميل عام 1944م إلى نصف مليون برميل عام 1950م، وكذلك توسّعت الشركة في التوظيف من نحو 3000 موظف إلى 17000 موظف في 7 سنوات، وانضمت شركتا إكسون وموبيل لأرامكو عام 1948م، مما كان نقلة زادت من قوة الشركة وعززت إمكاناتها.

وقد شهدت تلك المرحلة بناء ميناء الدمام والسكة الحديد والتابلاين، الذي اعتبر آنذاك أكبر مشروع من نوعه في العالم.

كما شهدت تلك السنوات تخطيط الخبر الشبكي وهو أول تخطيط لمدينة سعودية، وإنشاء مدرسة الجبل التي كانت البداية الحقيقية لبرامج التدريب في أرامكو.

كما شهدت توظيف اليافع علي النعيمي مراسلًا بين المكاتب، والذي سيصبح بعد 35 عامًا أيقونة تاريخية كأول رئيس سعودي للشركة.

وبالمقابل شجعت الشركة مجموعة من موظفيها النابهين كي يخرجوا ويؤسسوا شركات ويصبحوا رواد أعمال، ومن أبرزهم سليمان العليان، رحمه الله، الذي رهن بيته بالخبر بـ 10 آلاف ريال عام 1947م وأسس شركة أصبحت خلال 5 سنوات شركة ذات شأن، ثم أصبح مستثمرًا ورجل أعمال عالميًّا، وتحتفل شركته الرائدة هذا العام بذكرى بمرور 75 عامًا على تأسيسها.

وخلال أول 19 عامًا من عمر أرامكو لم يعين للعمل في المملكة شخص بمرتبة رئيس للشركة، وقد ظل الأمر كذلك، إذ كانت الشركة ترجع في قرارتها الرئيسة إلى سان فرانسيسكو ثم منذ العام 1949م، انتقل المقر والمرجعية إلى نيويورك.

من نيويورك إلى الظهران

ومع نمو الأعمال، وبضغط إيجابي من حكومة المملكة، وخاصة أن تلك الفترة شهدت مطالبات عمّالية لتحسين أوضاع المعيشة للعمال السعوديين، أدّت لانطلاقة برامج رائدة كبرنامج تملك البيوت وبناء المدارس والانتقال من برستيات سعودي كامب لمساكن مكيفة في حي الإنترميديت، الذي سُمّي لاحقًا حي المنيرة، قررت أرامكو نقل مقرها من نيويورك إلى الظهران بدءًا من عام 1952م وأصبح للشركة رئيس لمجلس الإدارة وكبير للإداريين التنفيذيين يقيم في الظهران. ويصادف هذا العام مرور 70 عامًا على هذه النقلة المهمة.

وقد بنت الشركة البيت 19 في الحي السكني بالظهران (وهو بيت تستخدمه الشركة حاليًّا لاستقبال كبار الضيوف) ليكون مقرًّا للرئيس التنفيذي رئيس مجلس إدارة الشركة آنذاك.

وعلى مدى 19 عامًا من عمر الشركة قبل انتقال الرئيس التنفيذي للإقامة في المملكة، كان كبير مسؤولي الشركة في الظهران يشغل وظيفة بمسمى كبير الاداريين المقيمين Chief Resident Officer ومن أبرز من شغلوا هذه الوظيفة أو ما شابهها السيد أوليغر (الذي أشرف على بناء أول مشروع إنشائي في تاريخ الشركة وهو فرضة الخبر عام 1935م)، وهو الذي استقبل الملك عبدالعزيز حين زار رأس تنورة عام 1939م، والسيد ماكفرسون كان هو كبير المسؤولين الأمريكيين حين زار الملك عبدالعزيز الظهران عام 1947م.

في تلك الفترة أيضًا 1944-1948م شُيدت مجموعة من المباني المكسوة بالحجر عبر عمالة إيطالية ماهرة من أسرى الحرب ممن قدِموا من مستعمرات إيطاليا في أريتريا، وأصبحت هذه المباني جزءًا من تاريخ الظهران، مثل قاعة الطعام «الدايننج هول»، ومبنى الإدارة الجنوبي، وهو عميد المباني في المنطقة المركزية core area بالظهران، وتحوّل بعد 4 سنوات من اكتماله ليصبح منذ العام 1952م مقرًّا لرئاسة أرامكو، وكان أول رئيس تنفيذي ورئيس مجلس إدارة يداوم فيه هو السيد ديفيز، وهو الثاني من الشمال في أسفل الصورة.

الجدير بالذكر أن هناك غرفة كبيرة في قبو هذا المبنى كانت تُسمى غرفة كمبيوتر IBM وكانت مخصصة لأعمال الكمبيوتر منذ العام 1949م، حيث ضمّت 83 جهازًا حاسوبيًّا من IBM تعمل بالبطاقات. وحينما زار أرامكو السعودية في مارس الماضي رئيسُ IBM قدمت له الشركة هدية عبارة عن صورة أرشيفية للكمبيوتر الذي كان في مقرها في تلك الفترة المبكرة من تاريخ صناعة الحواسيب. وهو بالفعل تاريخ مبكر لأرامكو في نقل وتوطين التقنية المتقدمة.

بطبيعة الحال، هناك الكثير والكثير من الجوانب الرائعة والمدهشة في تاريخ الشركة، التي هي صبية تزداد حسنًا ونضارة وإن كانت على مشارف التسعين، فهي لا تزال تنمو وتتجدد وتكبر كل يوم عبر إنجازات وابتكارات موظفيها وموظفاتها. والشركة، بحمد الله، تبني المستقبل وتصنع التاريخ كل يوم.

ويمكن التعرف على تاريخ الشركة من مواقعها الإلكترونية وإصداراتها العديدة، وكذلك عبر زيارة معرض «أرامكوراما» في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء).

Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge