إطلالة

كتابة تمارس التهميش

كتابة تمارس التهميش

على وفرة دور النشر المختصة بكتاب الطفل العربي شعرًا وقصة ومسرحًا، والتي نراها في معارض الكتب؛ وعلى تفرُّد بعض المؤسسات بأدب الطفل، إلا أنَّنا نلمس تجاهلًا إزاءه بشكل كبير، بدءًا من الأدباء والباحثين وانتهاءً بالمؤسسات العامة الكبرى، ويبدو لي أن مردَّه تلك النظرة الدونية لهذا الأدب، وأنه يكتب للتسلية، والإلهاء فقط، فهو ليس جديرًا بالبحث الجاد، والكتابة التي تتلمَّس ما فيه من عوالم بِكر وطرق لم يسلكها أحد بعد.

وانطلاقًا من نظرة التبسيط هذه، يكتب معظم من يكتبون للطفل استسهالًا واستهلاكًا دون أن يضعوا نصب تفكيرهم متغيرات طفل اليوم عن طفل الأمس، والمستوى المتفاوت بينهما.

ولأننا نكتب للطفل، فإننا نأخذ دوره في التعبير عن حاجاته ونظرته لما حوله واستقباله لأحاجي الحياة وأسرار الكون؛ كون الأطفال لا يمتلكون أدوات الكتابة الأدبية للتعبير بطريقة توصل حيرتهم وأسئلتهم ومتعتهم، وبالتالي فمن يكتب للطفل لا بدَّ أن يتحوَّل إلى طفل يجيد التقمّص، ويعيش انفتاحًا لا محدودًا على عالم الطفل وخياله الواسع.

التغافل عن هذا الشرط يعني أن الكاتب يمارس تغييبًا جائرًا للطفل الذي يفكّر ويسأل ويتخيَّل، فالكتابات الوعظية، تلك التي تقوم على: (افعل ولا تفعل) وما أكثرها، لا تقدِّم أدبًا بالمعنى الاصطلاحي لكلمة أدب، وهذا لون من التجاهل.

الكتابة للطفل حينما بدأت تظهر في بدايات نهضة الأدب الحديث كانت على استحياء في شكل قصائد، أو مجموعة قصصية من دون أن يكتب مؤلفها اسمه على المجموعة، وأظن أن المؤلّف عمد إلى ذلك؛ لأنه يَعُدُّ هذا اللون من الكتابة أمرًا سهلًا جدًّا ومقدورًا عليه ولا يستحق الذكر، وربما يتحرَّج لو ذُكر اسمه تحت هذا الأدب البسيط جدًّا؛ لأنه سيكون مثارًا للسخرية والتندُّر، فهو يتعامل معه باعتبار أنه يقع خارج دائرة الأدب، حتى ظهر أحمد شوقي وخصص جزءًا من الشوقيّات لقصائد موجهة للأطفال، وبدأ التحرُّج من ذكر الاسم يرتفع شيئًا فشيئًا، وصولًا إلى سليمان العيسى الذي كرَّس جزءًا كبيرًا من تجربته الشعرية للكتابة للطفل، لكنَّنا إلى الآن لم نتخلّص بشكل كامل من نظرة التهميش، رغم ظهور أسماء أخرى في هذا المجال، ورغم تنوُّع وسائل هذا الأدب، فأعمال شاعر الأطفال مثلًا ليس لها حظوة منبرية وإعلامية بالمقارنة مع أعمال أدبية أخرى موجهة للكبار.

بالرغم من أن الكثير ممَّا يُكتَب للطفل هو صالح لكلِّ الأعمار، ولكن التلقّي والقراءة ستختلف من فئة عمرية إلى فئة ومن فرد إلى آخر، وبالتالي لا يصح أن تقتصر الأعمال الموجهة للطفل على الطفل كما هو مرتكز في أذهان الكثير، فيكون الكبار خارج دائرتها، ولعلَّهم يستنكفون عن قراءتها استصغارًا.

يبدو لي أن أدب الطفل الحقيقي مغيَّب وليس غائبًا، فما يمارسه الكاتب الوعظي تجاهلٌ رغم حضوره في ميدان الكتابة، تمامًا كمن يغيب عن الميدان من الأدباء والنقَّاد متابعةً وكتابةً.

 

حسن الربيح، شاعر وكاتب سعودي
زاوية إطلالة مخصصة لنشر مقالات الكتّاب من خارج أرامكو السعودية.
Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge