بتقنية «كليم» التي ابتكرها عالم في «النمذجة» في أرامكو السعودية..
الخط العربي يستعيد جمالياته التاريخية في الكمبيوتر عبر بوابة الذكاء الاصطناعي
لم يتمكن الكمبيوتر يومًا بالرغم من كل ما قدمه من تطوير لإمكانات الكتابة والتدوين وتنسيق الخطوط من ملء الفراغ الذي سطَّرته اليد البشرية في جماليات صفحات الخط والخط العربي منه على وجه الخصوص. فالإبداع البشري ظل مبعثه التفرد والندرة والإحساس بالحرف والكلمة والمعنى، وما زال بعيدًا عن الآلة التي لا تتقن إلا العمل وفق القواعد الثابتة والتكرار والنسخ.
الخط العربي في التاريخ
بقي الخط العربي لمئات السنين نافذة من نوافذ الإبداع عند العرب ومن انضم إلى تاريخهم وثقافتهم من الأمم، حتى برز فيه وبرع عديدٌ من الخطاطين والتشكيليين الذين خلدوا بالخط العربي أسماءهم بين ثنايا حروفه وفي زوايا ألواحه وصحائفه.
غير أن دخول الآلة على ساحة الخط العربي أحدث ضجيجًا حِرَفيًا وفنيًا وفكريًا وحتى معرفيًا، بل وجدلًا كبيرًا ونقلة نوعية في الوقت ذاته من حيث قدرتها الإضافية على تحسين الخطوط وما تتمتع به من إمكانات لا حدود لها لجعل كتابة الحرف أكثر شيوعًا ووضوحًا وتطويعًا على مختلف المستويات وتنوع الاستخدامات، من كراسة الدرس إلى نسخ الكتاب، إلى اللوحة الإعلانية.. إلى كل شيء تقريبًا.
بين الواقع والأمل
أما اليوم، فقد حلت التقنية محل يد الإنسان، وسيطرت على إنجاز كثير من مهمات الكتابة ونسخ النصوص مرارًا وتكرارًا. وأتت برامج الكتابة الإلكترونية بالحرف موزونًا مقارنةً باليد البشرية، ولكنه جامدٌ في شكله لا يغادر موقعه، ولا يتفاعل مع الكلمة ولا مع المعنى مثل ما كانت اليد تمنحه ذلك، فخفتت ترانيم خط النسخ فيه، وتقوقعت الرقعة، وبُح صوت الثلث حتى غابت تراتيله.
ولكن أحدهم اليوم وقف إلى جانب الحرف العربي، ساعيًا إلى مداواته مما أصابه بالتي كانت هي الداء، حيث ابتكر عالم النمذجة الحوسبية في تقنية النمذجة الإستراتيجية بأرامكو السعودية، الدكتور فهد الراشد، تقنية جديدة قادرة على استخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة فنون الخط العربي وإنتاج النصوص الفنية، بعيدًا عن القولبة والجمود تحت اسم تقنية «كليم». ويبعث هذا الأمل أمام الأجيال الجديدة لكي تظهر إبداعاتها بلغتها التي تفهمها وتتحدث بها؛ لغة الماوس والكيبورد، لا لغة القلم والدواة والطرس والبوص.
التقيناه وسألناه: كيف أخرجت لنا هذه التقنية؟ لقد رأينا الحرف العربي عادي تنفس من جديد، فما الذي دفعك إلى التفكير في تصميم تقنية فريدة من نوعها لخدمة فن الخط العربي؟
أجاب: «ما دفعني إلى التفكير في هذا الاتجاه كان في البداية مجرد ملاحظات تجلت أمامي فيما يتعلق بكتابة الكمبيوتر للخطوط العربية. فبالنظر إلى الكتابة الجميلة بخط اليد في المصحف ومقارنتها بكتابة الخطوط المختلفة في الكتب والصحف والمجلات العربية، يظهر التفاوت والاختلاف بشكل جلي، بالإضافة إلى جودة النسخ المكتوبة بخط اليد مقارنة بمستوى صف الحروف والكلمات العربية بالكمبيوتر المستخدمة في الكتب والصحف والمجلات أجدها واضحة بشكل لا لبس فيه».
برامج الكتابة لا تستطيع مجاراة الخط العربي
وحول سبب عدم قدرة برامج الكتابة حتى الآن على مجاراة مستوى الكتابة باليد، قال الراشد: «إن خطوط الكمبيوتر تستند إلى بنية كتل الحروف. ولكن في خطي الثلث والنسخ، لا توجد كتل جامدة، بل تدفقٌ جميلٌ لقلم الخط على الورق. وتعتمد خطوط الكمبيوتر الحالية بشكل أساس على الكتل، وهذا مناسب لفئة معينة من الكتابة العربية تسمى الخطوط المسطرية كالخط الكوفي. أما بالنسبة للكتابة «المرنة» مثل خط الثلث، فإن معظم تطبيقات الخط الحالية هي للأسف مجرد تبسيط لفن الخط».
وأضاف بقوله: «نظرًا لأن أجهزة الكمبيوتر أصبحت قوية جدًا اليوم، فقد حان الوقت للحواسيب أن تدعم الخط العربي لإظهار كامل جمالياته بدلًا من تبسيط الخط العربي للكمبيوتر».
قدرات «كليم»
ولذلك جاءت تقنية «كليم» لتعمل على إكساب الحرف الواحد في النص مرونة تتيح تحريك امتدادات أجزائه، وتجعل الرابط بينه وبين الحرف الذي يليه مرنًا قادرًا على تحريك المسافة بينهما في جميع الاتجاهات بشكلٍ جميلٍ متناسق. وبذلك أتاحت التقنية بعدًا جديدًا لقدرات التحكم في الحرف العربي وتطويعه بين يدي الكاتب حتى يتمكن من إعادة رسمه بالشكل الذي يحقق أهدافه الجمالية الجديدة التي يريدها الكاتب أو الخطاط منه، وفق قواعد فن الخط العربي.
بيئة محفزة وراعية للتراث والثقافة
ويأتي ظهور تقنية «كليم» وجميع المبادرات الفردية لمحبي الخط العربي من الخطاطين والفنانين في المملكة ضمن بيئة تحث على العناية بالخط العربي وعراقة تراثه، وتشجع الأجيال على التمسك بهذا الإرث الثقافي والفني الضارب في عمق التاريخ.
وكانت وزارة الثقافة قد أعلنت تمديد مبادرة عام الاحتفاء بالخط العربي للعام 2021م من أجل تعزيز جهود تعريف الأجيال بجمالياته وفنونه، وإطلاق مواهب جديدة في فن الخط العربي والفن التشكيلي من أبناء الوطن.
وفي هذا السياق، أقيمت عديدٌ من الفعاليات والمعارض والورش التدريبية والتعليمية والمبادرات إلى جانب الندوات، التي تهدف الوزارة من خلالها إلى تسليط الضوء على فن الخط العربي، وإبرازه والاحتفاء به، وتعزيز حضوره في المجتمع، بوصفه عنصرًا أصيلًا في الهوية الثقافية العربية.
وصف الصورة في أعلى الصفحة: نموذج للوحة بالخط الديواني كُتبت بتقنية «كليم»، ثم جُمِّلت ببرنامج تصميم محترف.