رحلة المواد الهيدروكربونية في أرامكو: الصيانة

الحد من انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري فكرة أصيلة من فلسفة أعمالنا لعقود من الزمن

الحد من انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري فكرة أصيلة من فلسفة أعمالنا لعقود من الزمن
هذه القصة، التي تُنشر في عدة أجزاء، تسلِّط الضوء على ما وراء الستار في رحلة المواد الهيدروكربونية في أرامكو السعودية، بدءًا من المكامن وحتى نهاية الرحلة.

في أرامكو السعودية، أسفرت عقود من المحافظة على الكفاءة والموثوقية عن إتقان ملحوظ في الأداء في مجموعة واسعة من أصول الشركة. ويمكن أن نرى هذا الأداء متجسدًا على نطاق واسع في معامل بقيق التي تُعد أكبر معامل لتركيز الزيت الخام في العالم.
 وغني عن الذكر أن مرافق النفط والغاز التي تتم صيانتها بشكل جيد تحافظ على سلامة وثبات تدفق السوائل، وهو ما يعني في نهاية المطاف تجنب انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري؛ حيث أن المشاكل التشغيلية التي تتسبب في انقطاع الإنتاج، مثل عدم تدفق السوائل عبر الأنابيب أو تعطل المعدات، تؤدي في نهاية المطاف إلى انبعاثات كربونية أكبر، وبالتالي ستؤثر سلبًا على البيئة.
 بناء على ما تقدم، فإن تكريس الوقت والفكر في المحافظة على المعدات والأنظمة في أفضل حالاتها هو استثمار لصالح البيئة، فضلًا عن دعم استمرارية العمل.

 

تسلسل قيادي متناغم 

 في بقيق، تعمل إدارة صيانة واحدة، وخمسة أقسام، و25 وحدة، وورشتان على المحافظة على سلاسة عمل مرافق معالجة النفط، وسوائل الغاز الطبيعي والمنافع؛ فلإنتاج أفضل أداءٍ موثوق يجب أن يعرف كل فرد دوره المنوط به. 
 ومن هذا المنطلق، يعمل فريق يتألف من أكثر من 500 شخص على ضوء قائمة شاملة من منهجيات وأعمال الصيانة الوقائية والدورية، والتنبؤية، أو القائمة على الحالة، والإصلاحات، والفحوصات الرئيسة، والتجديد، وتخطيط المواد والمشتريات، والموثوقية، ختامًا بأعمال الصيانة النهائية أي الاختبار والفحص.
 وإلى جانب هذا التسلسل الهرمي التنظيمي الدقيق، هناك تفكير دائم حول كيفية المواءمة بين المعدات الجديدة والقديمة والتقنية.

 

الدمج بين المعدات الجديدة والقديمة والتقنية

 تتوفر في معامل بقيق أحدث المعدات، وأدوات الرقمنة الذكية، وبعض الأصول التي وإن كانت بدأت تتقادم إلا أنها لا تزال قوية وفاعلة؛ إذ يتطلب الأمر وفرة من المعدات الثابتة والدوارة لنقل كميات هائلة من السوائل، وتبخيرها وضغطها، وتحتاج كل هذه العمليات إلى الاحتفاظ بالسوائل في أنابيبها وحاوياتها. وللمحافظة على الجودة والأداء وتجنب إلحاق الضرر بأصول أخرى، تُصمم أرامكو السعودية لكل قطعة من معداتها الإنتاجية تاريخ وخطة صيانة مخصصة لها.
 ويتم جمع كميات هائلة من البيانات عن معدات أرامكو السعودية، وتصنيفها، وفترات أعطالها، وأدائها، وسجل الإصلاحات السابقة، وقطع الغيار، وعندما تتطلب مشكلة ما تصعيدًا، يتم إرسال فريق التفتيش لاستكشاف تلك المشكلة وإصلاحها.

 

موظفون متمرسون 

 بفضل الصيانة، لا تزال المعدات القديمة تعمل في الخط الأمامي بموثوقية مذهلة. ومع ذلك، تواجه الأصول القديمة بعض التحديات، مثل العثور على قطع غيار لها.
 ويُعد توربين الغاز أحادي العمود (KT-501) معدة قديمة لا تزال تجد لها مكانًا بين المعدات الحديثة في محطة سوائل الغاز الطبيعي، وهو يعمل بلا كلل منذ عام 1968م لخدمة وحدة ضغط الغاز 334. ومنذ بدء تشغيل هذا التوربين القوي، سجّل ما يقرب من 299,500 ساعة تشغيل، وهو مُعدّة فريدة من نوعها بكل المقاييس، إذ لا تزال مستمرة في العمل حتى الآن.

 

وقد طلبت الشركة المصنعة، التي أذهلها مستوى خدمة الصيانة المقدمة للتوربين في معامل بقيق، أن تَعرض التوربين في مرافقها الخاصة، بمجرد إخراجه من الخدمة.

 

 

إجراءات مبتكرة للحد من الغازات 

 يتم ضغط الغاز الناتج من الزيت بواسطة مرفق سوائل الغاز الطبيعي في بقيق في ثمانية وحدات ضغط، ويتم تمريرها عبر أعمدة إزالة الأجزاء الخفيفة وعمود إزالة الإيثان، لينتج سوائل الغاز الطبيعي لمصفاة رأس تنورة، وغازات خفيفة لمزيد من المعالجة في معامل أخرى.
 استمرارية تشغيل ضواغط الغاز أمر مهم للغاية للحد من حرق الغاز في الشعلات، علمًا أن هذه الضواغط تعمل بواسطة سبعة توربينات غاز وتوربين بخار واحد، وقد جرى استبدال أحد توربينات الغاز بتوربين بخار حاليًا. ولا شك أن تغيير وقود التوربين من الغاز إلى البخار يشكل استثمارًا كبيرًا في إجراءات الحد من حرق الغاز في الشعلات.
 ويمدّ مرفق المنافع مرافق النفط وسوائل الغاز الطبيعي بالكهرباء من ثلاثة مولدات، ويتم استخلاص الطاقة المفقودة من العوادم، على شكل حرارة مهدرة، من خلال نظام إنتاج طاقة مزدوجة.
 ولزيادة كفاءة الطاقة، تم مؤخرًا استبدال بطانات العادم في جميع وحدات التوليد المزدوج. وفي عملية هي الأولى من نوعها في أرامكو السعودية، قام معمل بقيق بهندسة عكسية لجسم دوار توربيني بخاري قديم لا يزال يعمل ولكن توقف تصنيعه. وبعد تفكيك التوربين، تم مسح مكوناته ضوئيًا، والآن بات من الممكن استخدام رسوماته الهندسية المتاحة على الشبكة لتصنيع قطع غيار لإطالة العمر الافتراضي للتوربين.

 

رقمنة محورها الإنسان   

 عندما يتعلق الأمر بإنتاج النفط والغاز، لا مجال لحدوث خطأ يمس سلامة الأصول، ومن هنا تأتي أهمية عمليات التشغيل الآلي (الأتمتة) التي تساعد في خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
 وتلقى أفكار التقنية ترحيبًا كبيرًا لدي العاملين في الصيانة في معامل بقيق. يقول سعد الحربي، وهو مهندس صيانة يحمل شهادة الهندسة الميكانيكية من كلية كولورادو للمناجم في الولايات المتحدة الأمريكية: "إن الحد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري يشكل ضرورة رئيسة للمحافظة على البيئة من أجل الأجيال القادمة".
 وتعمل شبكات أجهزة الاستشعار الموجودة على المعدات على توفير مراقبة على مدار 24 ساعة طوال أيام الأسبوع لمساندة المعدات طوال فترة خدمتها لمنع حدوث أعطال، وتوفير فترة الصيانة المثلى لها.

"إن قدرتنا على أن نصنع بأنفسنا قطع الغيار التي توقف إنتاجها أمر يعود علينا بنفع كبير". سعد الحربي

 ويؤيد هذا الأمر أمثلة كثيرة على تصنيع قطع الغيار الخاصة بأجهزة استشعار الاهتزازات وغيرها من معدات البنية التحتية التي تقادم عمرها، ويضيف الحربي: "إن تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد تقلل من جدول الصيانة المقررة، كما يمكن استخدامها لتصنيع قطع الغيار".

 

تقليل المتطلبات اللوجسيتة لإمدادات الصيانة 

 

توطين سلاسل الإمداد يعني، بوجه عام، نشاطًا لوجستيًا أقل، وتمكين أرامكو السعودية من الاستمرار في أعمالها بأدنى حد من الانقطاع.
ومن خلال برنامج تعزيز القيمة المضافة الإجمالية لقطاع التوريد في المملكة (اكتفاء)، تعمل أرامكو السعودية بنشاط على بناء سلسلة إمداد عالمية المستوى، بهدف الوصول بالإنفاق على المشتريات المحلية من داخل المملكة إلى نسبة 70% من إجمالي الإنفاق على المشتريات.
 

تدوير الهدر من أعمال تنظيف الخزانات 

 

إن تنظيف خزان نفط عملاق يسع 180 ألف برميل يمثل عملية تنظيف صناعي هائلة الحجم. وقد أصبحت الطرق المبتكرة لتنظيف الخزانات ذات نفع كبير الآن في إعادة استخدام موارد كان تُهدر هباء في السابق.  
 وتحتل معالجة النفط الجزء الأكبر من المعمل، ويستخدم مرفق معالجة النفط 18 عمودًا من أعمدة التركيز لإجراء الفصل النهائي للغاز وإزالة كبريتيد الهيدروجين. 

 ويرسل النفط المركز إلى رأس تنورة والجبيل على الساحل الشرقي، وينبع في الغرب، وتخزن  الكميات الزائدة من النفط المركز في 14 خزانًا. وعند كل دورة للصيانة والتفتيش، يتم تنظيف الخزانات لإزالة التراكمات.
 ويشرح مهندس الصيانة سعد الحربي الأمر بقوله إنه بمجرد فراغ الخزان، يتم إدخال كمية بسيطة من النفط المسخن لتسييل الرواسب المتراكمة في الخزان.
 ويقول الحربي: "تنقل المضخات الرواسب السائلة إلى وحدة إعادة تدوير لترشيحها وفصل النفط عنها، ثم يُضخ السائل بالكامل إلى خط قريب. وبعد إزالة الرواسب، يتم تنظيف أرضية الخزان وجدرانه".
 ومما يثير الدهشة أنه يتم استعادة نحو 1800 متر مكعب من النفط من كل خزان.

 
Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge