شاهد على مراحل عديدة من التطورات في مرحلة ما بعد النفط..

البلوشي: أرامكو السعودية حافلة بالتنوع.. والمملكة تصنع المستقبل بسواعد أبنائها

البلوشي: أرامكو السعودية حافلة بالتنوع.. والمملكة تصنع المستقبل بسواعد أبنائها

مرت المملكة العربية السعودية خلال فترة زمنية قصيرة نسبيًا بمراحل هائلة من التطورات، وقد انطلقت مسيرة تلك التطورات وتوقدت جذوتها في المنطقة الشرقية من بلادنا الحبيبة، حيث شهدت ميلاد أرامكو، عملاق النفط الذي يتصدر مشهد الطاقة العالمي برمته.

لاستعادة جزء من ذلك الماضي ولتسليط الضوء على بعض تلك التغيرات كان لـ (القافلة الأسبوعية) هذا الحوار مع الأستاذ علي محمد البلوشي، الذي تصرمت أكثر من ثلاثين عامًا منذ أن أسدل الستار على مسيرته المهنية مع أرامكو السعودية.

البلوشي بمثابة أب من آباء أسرة الشركة الكبيرة؛ حيث لا يألو جهدًا في إبقاء أواصر التواصل ممتدة بين أجيالها المتعاقبة، سواء من خلال سعيه لتطوير خدمات موظفيها المتقاعدين، أو حرصه على تنظيم لقاءات لم الشمل للموظفين الأجانب في المملكة.

- ارتبطت مسيرتك المهنية منذ بداياتها بالأحياء السكنية في أرامكو السعودية؛ حدثنا عن تلك البدايات الأولى.

في الفترة التي التحقت فيها بالعمل في الشركة في بداية الستينيات، كان السعوديون قد ابتدؤوا يسكنون للتو في أحيائها السكنية، بعد أن استفادوا من فرص التدريب والتعليم التي وفرتها الشركة، وبدؤوا يتقلدون أدوارًا أكبر تدريجيًا.

كنت أول سعودي يعمل كناظر لخدمات الحي السكني في بقيق. وفي وقتها، كان يتعيَّن علينا كجيل إثبات جدارتنا بمثل هذه المناصب، لنمهد الطريق أمام الأجيال المقبلة لقيادة دفة الشركة.

 

- كنتَ شاهدًا على مراحل عديدة من التطوُّر شهدتها تلك الأحياء. ما هي المشاهد التي تستوقف ذاكرتك على هذا الصعيد؟

في البدايات، كنا نسعى لتطوير مجموعة من المواطنين للإشراف على خدمات أحياء السكن في الشركة، من خلال إرسالهم إلى برامج تدريب في معاهد مرموقة، ليأتوا ويطبقوا ما تعلموه من أفكار ونظريات وتجارب، أسهمت في تطوير هذه الأحياء وتحسين الخدمات فيها، لترتدي حللًا أجمل مع مرور الوقت، وتصبح بيئة أفضل للعيش.

وأتذكر وقتها أن خدمات الطعام في الأحياء كانت تحتاج إلى التطوير، فسعينا في بقيق إلى إضافة الأكلات الشعبية السعودية إلى قوائم الطعام، لرفع جودة الخدمة، وتعزيز تنوع خيارات المتاحة للمستفيدين. وقد نالت هذه الجهود استحسان الموظفين السعوديين والأجانب على حد سواء، وتم اعتماد هذا النظام في بقية الأحياء التابعة للشركة.

أيضًا، كان هناك اهتمام كبير بتطوير الأحياء من الناحية الجمالية من خلال زراعة الأشجار، كما سعينا لإعادة تأهيل الشاطئ في رأس تنورة لحماية البيئة، ولتمكين الأفراد والأسر من الاستمتاع بوقتهم هناك.

وفي الظهران، أتذكر أننا عملنا على إعادة إعمار بعض المنازل القديمة، وكذلك إصلاح وتحديث المواقع الترفيهية والخدمية في الأحياء، بما فيها إنشاء مبنى المجمع ليكون مركزًا لخدمات أحياء السكن، وكذلك تطوير قاعة الديوان للاجتماعات.

- وما هي أهمية الخدمات التي تقدمها الأحياء السكنية بالنسبة للموظفين؟ وكيف كنتم تتأكدون من أن جودتها مرضية؟

أهمية هذه الخدمات تكمن في أنها سبب لراحة الموظفين وسعادتهم، وهو ما ينعكس على أدائهم لأعمالهم على أكمل وجه، كما أنها عامل مهم في اجتذاب أفضل الكفاءات والقدرات للشركة.

وفيما يتصل بجودة هذه الخدمات، كان من المهم جدًا تحسين العلاقة مع السكان وتطويرها، من خلال الاستماع مباشرة لأسر الموظفين من أجل معرفة المشكلات الصغيرة والكبيرة التي يعانون منها ومحاولة حلِّها، وتبيُّن مواطن القصور وتلافيها. كما كنا نحرص على القيام بزيارات دورية للأحياء السكنية في المواقع المختلفة، ومن ضمنها في ذلك الوقت الأحياء التابعة لمحطات التابلاين، وذلك للتأكد من توفر الخدمات بشكل مناسب للسكان. وأخيرًا، عمدنا إلى الاستعانة بالشركات العالمية المتخصصة لتنفيذ بعض المشاريع وتقديم الخدمات بالشكل المناسب.

 

- كان لك نشاط كبير في تعزيز التواصل مع الأجيال السابقة للشركة، ما هو الدافع الذي انطلقت منه في هذا المجال؟

عندما كنت في مقتبل العمر، كنت أشترك في بعض الأعمال التي تُعنى بتزيين بعض مرافق الشركة، وكذلك في تنظيم الأنشطة الرياضية. ومنذ ذلك الحين، ومن خلال مسيرتي المهنية، نجحت في تكوين علاقات قوية مع الجميع، وتعلمت فن التعامل مع الناس على اختلاف مشاربهم، وهذا زرع في قلبي حب التفاعل مع أسرة أرامكو السعودية بجميع أجيالها التي أسهمتْ في بنائها.

وبعد تقاعدي، عملت على تأسيس الجمعية الوطنية للمتقاعدين في المملكة، وكذلك تأسيس اللجنة الاستشارية لمتقاعدي أرامكو السعودية، وذلك بهدف تحسين الخدمات المقدمة للموظفين المتقاعدين خصوصًا في الشركة، وكان هناك تعاون كبير من قبل الإدارة على هذا الصعيد. كما حرصت على استضافة اللقاءات بين موظفي الشركة المتقاعدين والحاليين، حيث كان لها أثر طيب في إبقاء التواصل مع أشخاص قدموا الكثير للشركة وأسهموا في صنع مسيرتها.

- كان لك قصب السبق أيضًا في تنظيم لقاءات لم الشمل لموظفي الشركة الأجانب. ما هي الجهود المبذولة في هذا الشأن؟

من خلال برنامج لم شمل الموظفين الأجانب، أحضرنا قرابة 2500 شخص من موظفي الشركة السابقين وأفراد أسرهم من مختلف البلدان، ليعودوا إلى زيارة المملكة في السنوات الماضية.

استقبلنا أول مجموعة في عام 2000م، ثم كانت هناك زيارات أخرى في الأعوام 2009م و2015م و2019م. وفي هذه الزيارات، نظمنا زيارات للمناطق الأثرية والسياحية في مختلف مناطق المملكة، كما تضمَّن البرنامج زيارة الأحياء السكنية للشركة ومرافق أعمالها. وهناك زيارة أخرى من المقرر أن تكون في شهر مارس من 2023م. وهذه المرة، سيكون البرنامج موسعًا بالاستفادة من الخدمات التي توفرت حديثًا، والمواقع السياحية الجديدة التي فتحت أبوابها.

 

- وما هي أهمية السياحة في إبراز الجوانب الثقافية الوطنية؟ وكيف ترى المشهد اليوم مع التوجه نحو تعزيز النشاط السياحي في ضوء رؤية المملكة؟

هناك توجه واضح من قبل الدولة للعناية بالتراث والمحافظة عليه، وإعادة تهيئة المواقع الأثرية والتراثية لاستقبال السياح والزوار. وقد حدثت في هذا الصدد، مؤخرًا، عديد من التطويرات والتسهيلات، ومن ضمنها الفيزا السياحية على سبيل المثال. ولهذا الحراك أهمية كبيرة من ناحية اقتصادية، وكذلك لإبراز الجانب التراثي والتاريخي للوطن لمختلف الشعوب الأخرى.

 

- أخيرًا، عايشت مرحلة زمنية انتقلت فيها المنطقة الشرقية، والمملكة عمومًا، من طور إلى طور، في ظل النهضة التي شهدتها مرحلة ما بعد إنتاج النفط. كيف تصف المشهد بين أمس واليوم؟

أتذكر في صغري أن الخبر كانت أشبه بقرية صغيرة تعتمد بشكل رئيس على نشاط الصيد البحري، وكثير من مساكنها من بيوت السعف والنخيل، قبل انتشار بيوت الطين والحجر. لكن المنطقة سرعان ما خاضت مراحل متسارعة من النمو بعد اكتشاف النفط، شأنها في ذلك شأن جميع مناطق البلاد، فجاءت خدمات الماء والصرف الصحي والكهرباء، وتطورت كافة جوانب الحياة، بما فيها الاقتصاد والتعليم والصحة والمواصلات والاتصالات وغيرها، ولعبت أرامكو السعودية دورًا مهمًا ضمن هذا التطور. وقد واكب النمو السكاني تلك التطورات السريعة، حتى تحولت الخبر وما حولها إلى مدينة حديثة في غضون فترة ليست بالطويلة.

اليوم، تقف مملكتنا الحبيبة على أعتاب مرحلة جديدة من التغييرات الطموحة والمشاريع الكبيرة، في ضوء رؤية قيادتها الرشيدة، ليشمل التغيير قطاعات عديدة من بينها الصناعة والتقنية والتنمية البشرية والبيئة الاقتصادية، وكذلك الترفيه والرياضة والسياحة. وتقع على عاتق الأجيال الجديدة مسؤولية المشاركة في تحقيق هذه الرؤية لتصنع بلادنا مستقبلها المشرق.

Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge