حين يفيض القلب بالشعور وتعجُّ الروح بالذكريات..
البلوشي يرصد تجارب عقود من الزمن في سيرته الذاتية
وقد زار البلوشي، مؤخَّرًا، أرامكو السعودية برفقة ابنيه صالح وحسين، حيث التقى برئيس الشركة، كبير إدارييها التنفيذيين، المهندس أمين حسن الناصر، مهديًا إياه نسخة من الكتاب.
بين الماضي والحاضر
وخلال اللقاء، دار الحديث حول ماضي الشركة وحاضرها، ومدى التوافق والاختلاف بين أجيال الأمس واليوم، حيث قدَّم المهندس الناصر شكره للبلوشي، قائلًا: "أسعدني حديث الذكريات، وكيف كانت أرامكو في الماضي في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات".
"لو كان لأسرة أرامكو السعودية العالمية شخص يكون بمثابة الأب لها، فإن هذا الشخص سيكون حتمًا علي البلوشي". أمين حسن الناصر
وأوضح الناصر أن البلوشي يوثق تجربة شخصية غطت نحو 70 سنة في العمل والإنجاز، وهو شاهد عاصر الأجيال الأولى التي التحقت بالشركة بعد فترة الاكتشاف، وشهد انطلاقة الشركة بعد الحرب العالمية الثانية، ونموها وتحولها من شركة أمريكية إلى سعودية، وهو نموذج حي للأجيال التي أسهمت بشكل كبير في نمو الشركة، وبناء القاعدة الصلبة التي تستند عليها اليوم في ريادتها العالمية في مجال الطاقة والكيميائيات.
وقد أكد المهندس أمين الناصر أن الشركة حرصت على توزيع نسخ من الكتاب إلى الأجيال الجديدة من الموظفين الشباب في أرامكو السعودية، ممثلة في أعضاء مجلس القادة الاستشاريين الشباب، وذلك للاستفادة من التجربة الثرية، التي ميَّزت سيرة الأستاذ علي البلوشي.
تجارب ودروس
وبين ثنايا الكتاب، يجسِّد البلوشي القول الأثير: "التجارب علمٌ مستفاد"؛ فهو ينتقل بين مفاصل حياته الأسرية والدراسية والعملية والاجتماعية، مستعرضًا ملامحها، ومستخلصًا منها دروسًا تزخر بالخبرات، ليُهدي للقارئ خلاصة قد يتلمَّس فيها ما يختصر عليه عناء التجارب.
وتزداد هذه السيرة قيمة بالنظر إلى أنها تؤرخ لتجارب شخصية تتزامن مع الطفرة الكبيرة والتغيرات الهائلة التي مرت بها المملكة وأرامكو السعودية منذ البدايات الأولى لاكتشاف النفط، فهي بذلك تجسِّد روح الرعيل الأول من موظفي الشركة، الذين عاصروا مختلف المراحل التي مرت بها، والمصاعب التي تجاوزتها.
ومن خلال التجارب والقصص التي يسردها، يُعرب البلوشي عن امتنان عميق لأسرته التي نشأ فيها، وكذلك للشركة التي قضى فيها أعوامًا طويلة، حيث كان لهما الفضل في تقديم فرص اغتنمها ليعيش حياة هنيئة، تنعم بعديد من الصداقات الحقيقية طويلة الأمد مع أشخاص من بلدان مختلفة.
مسيرةٌ مهنية حافلة
وعبر فصول السيرة، يستعرض البلوشي مسيرة نحو 41 عامًا من الخدمة مع أرامكو السعودية، التي التحق بها عام 1949 م كمراسل بين المكاتب، وتدرَّج فيها عبر أدوار ومناصب مختلفة، ليغادرها بعد أن تبوَّأ منصب المدير العام لخدمات أحياء السكن.
ويستذكر البلوشي عديدًا من الذكريات التي ترتبط بتلك الرحلة، التي تنقَّل فيها بين بقيق ورأس تنورة والظهران، مُسهمًا في تطوير الأحياء السكنية التابعة لأرامكو السعودية وتوفير الخدمات لموظفيها.
كما يذكر البلوشي تفاصيل سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية لخوض تجربة الدراسة، التي أسهمت في صقل شخصيته وتعريفه على ثقافة مختلفة، حيث تمكَّن بطبيعته الاجتماعية من التأقلم معها والاستفادة منها، مكوِّنًا من خلالها شبكة من العلاقات التي استمرت زمنًا طويلًا.
نشاط ما بعد التقاعد
كما يتطرَّق الكتاب إلى الأدوار الفاعلة التي نشط فيها البلوشي عقب تقاعده، ومن بينها مشاركته في تأسيس اللجنة الاستشارية لمتقاعدي أرامكو السعودية، التي تُعنى بالعمل مع الشركة على تحسين الخدمات المقدَّمة لموظفيها المتقاعدين، إلى جانب مشاركته الفاعلة في تنظيم لقاءات جمع الشمل الخاصة بهؤلاء الموظفين وحضوره الدائم ضمنها، وكذلك إسهامه في تأسيس الجمعية الوطنية للمتقاعدين.
كما يتحدَّث البلوشي عن تجربته ضمن الجمعية التعاونية الزراعية بالدمام، التي عمل رئيسًا لمجلس إدارتها مدة عشرين عامًا، متطرقًا أيضًا إلى الدور الذي أسهم به في مجال الترفيه والسياحة.
شغفٌ بالرياضة
ولا ينسى البلوشي في كتابه أن يتطرَّق إلى قصته مع كرة القدم، هوايته المفضلة وشغفه الكبير، حيث يسرد حكايته مع المعشوقة المستديرة، التي تضمَّنت ممارسة اللعبة، وخوض غمار العمل في الأندية الرياضية، حيث كان هو أول رئيس لنادي القادسية في مسقط رأسه بمدينة الخبر.
ويحفل الكتاب بعديد من الصور، التي ترصد المراحل المختلفة التي عايشها البلوشي، لتُعين القارئ على أن يتبيَّن الأجواء المحيطة بالأحداث التي ترويها السطور، وتُضيف فواصل بصرية ترتاح عندها العين قبل أن تواصل السير مع قوافل الكلمات.
وفي هذه الصور، يظهر عدد من رجالات الشركة الذين عاصرهم البلوشي وعمل معهم، كما يظهر عديد من أصدقائه وزملائه وأفراد أُسرته وأبناء مجتمعه، لتشي بحياة اجتماعية ممتدة الأبعاد، ومليئة بالحكايات.
نموذجٌ لشباب اليوم
ومن بين الذين قرأوا الكتاب رئيس الشركة كبير إدارييها التنفيذيين الأسبق، الأستاذ عبدالله جمعة، الذي وصف الكتاب بالممتع جدًا بما يحمله من طابع إنساني عميق، مشيرًا إلى أن ما أورده البلوشي عن مرحلة نشأته في أسرته وعلاقته مع والديه يمثل القيم الأصيلة في العائلة السعودية.
وأشار جمعة إلى أن البلوشي هو نموذج حي يمثل الشخصية التي نحاول أن نعززها في شباب اليوم، وهي عمق التواصل مع الآخرين المختلفين عنا ثقافيًا، مضيفًا أنه كان مميَّزًا في هذا الجانب منذ أن كان طالبًا في الجامعة، وما يزال يبني ويرعى نمو هذه العلاقات، وأن ما بناه من جسور قائمة على الاحترام والاهتمام والصداقة وروح التواضع مع مئات الموظفين وأفراد أُسرهم من مختلف الجنسيات والقارات هو أمر رائع، وكذلك استمراره في التواصل معهم والمشاركة في لقاءات دورية بهم بعد سنوات عديدة من مغادرتهم المملكة، عاكسًا صورة مميَّزة عن المملكة وثقافتها، وعن روح الخير والمحبة والوفاء في الإنسان السعودي.