الأسرة

الآباء.. وتحديات التربية

الآباء.. وتحديات التربية

يواجه كثير من الآباء تحديات كثيرة وكبيرة في تربية أبنائهم في ظل عصر الانفتاح المعرفي والتقني. لكن من المؤسف أن بعض الآباء يغفل أو يتغافل عن هذه التحديات، معتقدًا أن تربية الأبناء من الأمور البديهية التي يقوم بها الوالدان، ولا تستحق هذا العناء.

ويركن بعضهم إلى أن ما استطاع آباؤهم القيام به في الزمن الماضي سيكون سهلًا عليهم القيام به، حيث يفهمون التربية على أنها نوع من السيطرة والتحكم وفرض التبعية المطلقة على الأبناء. في حين يظن البعض أن التربية هي مجرد تحقيق أمنيات أبنائهم والسعي لإرضائهم بكل الطرق المتاحة، وترك الحرية المطلقة لهم بدون قيم ضابطة.

ومن يدرك منهم أهمية التربية في ظل هذا العصر المضطرب بالتغيرات ووسائل التواصل الاجتماعي، قد يعتقد أن حضور دورة تدريبية أو قراءة كتاب أو سماع نصيحة من خبير، كافية لفهم عقل ذلك الطفل الصغير، أو ذلك الشاب المندفع للحياة.

لكن التربية الحقة من الوالدين تنطلق من إصلاح ذواتهم، وتوجيه الأدوات التربوية لإصلاح أنفسهم، ليكونوا قدوة صالحة يتعلم منها الأبناء فعلًا وقولًا. والأب المدرك للتغيرات يعي أن التربية أمر صعب ومتعب ومعقد، وأن أمامه أمران، إما بذل كل ما يستطيع، أو تسليم تربية أبنائه للغير، وهو المسؤول في كلا الحالين.

لا يمكن الوصول للكمال

وذلك الفهم يصل بالأب إلى أن يعي تمامًا أن المطلوب منه هو فعل كل ما يستطيع وليس الوصول إلى درجة الكمال، وأن يدرك أن التربية سلوك يومي وليس نتيجة يصل إليها، فالهدف المنشود منه هو المتابعة والحرص والعمل والدعاء، وليس الوصول إلى النتائج فهي غيبية قدرية بيد العزيز الحكيم، وأن التربية السليمة هي التدريب على الانضباط وتحمل المسؤولية، وليست إعطاء الحرية وتلبية الرغبات، فالهدف هو تربية الأبناء وليس إرضاءهم.

لذا، سيفشل الأب الذي قيمه العليا مع أبنائه هي (الإرضاء)، و(يهمني ألا يغضب مني أبنائي)، و(سعادة أبنائي ورضاهم هي الغاية فقط)، فهو بذلك ينطلق بلا وعي من الحرمان والقسوة، اللذين لربما يكون تعرض لهما في طفولته، ليفعل العكس كردة فعل.

وعلينا أن نتذكر أن مهمتنا مع أبنائنا ليست جرد الأخطاء بل تعليمهم كيفية فهم المستقبل. وكثير منا يعتقد خطأً أن الأبناء ينبغي ألا يقعوا في الأخطاء، وأن يقوموا بالمطلوب منهم بشكل صحيح وسليم، وينسى أن الأداء الصحيح هو ثمرة فترة طويلة من التدريب المملوء بالخيبات والعثرات، وأن أفضل طريقة لنمنع أبناءنا من الوقوع في الأخطاء هو أن نمنعهم من القيام بأي شيء!

إذا أخطأ الأبناء فهذا يعني أنهم يتعلمون، وينبغي أن نسعد بهم ونساعدهم على الاستمرار في التعلم ونشجعهم على مزيد من النمو، فالجمود يقتل طموحات الأبناء وآمالهم. وتذكروا أيها الآباء أنكم ما تزالون تخطئون في كل يوم، وما تزالون تتعلمون من أخطائكم، وستبقون تخطئون وتتعلمون طالما أنكم على قيد الحياة، أفلا يحق لأبنائنا ما نراه حقًا طبيعيًا لنا في الحياة!

المساعدة.. لا اتخاذ القرارات

ويصل هذا الإدراك بالأب إلى أن المطلوب منه هو أن يربي أبناءه على معاني الإيمان والقيم السليمة، كالصدق والأمانة والتسامح والعدل، ومهارات العلاقات الاجتماعية، كالتعاون والاحترام والمساعدة، أما الرغبات والميول والقدرات والمهارات فالابن هو الحكم فيها بشرط ألا تتعارض مع الدين والقيم السليمة. إذن فدور الأب هو المساعدة وليس اتخاذ القرارات، وعليه أن يدرك أن التربية ببساطة هي بناء إنسان وإعداده لمواجهة تحديات الحياة.

تعلم أن تستمع إلى أبنائك

على الأب أن يعلم أن المهارة الأولى التي يحتاجها للتقرب من أبنائه هي مهارة الاستماع إليهم، وهذا الاعتراف يقوده إلى تعلم مهارة الإنصات المتعاطف، الإنصات وعدم المقاطعة، فالإنصات رسالة احترام وتقبل يحتاجها الأبناء من والديهم. كما يجب على الآباء:

  • إدراك أن جمال أبنائنا باختلافاتهم وليس في تشابههم.
  • التركيز على نقاط القوة وتصويب نقاط الضعف.
  • غرس القيم السليمة في عقولهم عن طريق ما نفعل.إدراك الأثر الذي تعتقد أنك ستتركه في عقول أبنائك.
  • تعليمهم كيف يقدرون ذواتهم، وكيف يرفعون ثقتهم بأنفسهم، وكيف يتكلمون ومتى يتكلمون، وكيف يتعاملون مع الرسائل السلبية التي تصلهم من الآخرين.
  • التجاوب مع أسئلتهم، فالأطفال يتميزون بكثرة الأسئلة وقد يكون بعضها محرجًا، فلا ينبغي تجاهلها أو توبيخهم، فعدم الإجابة يسبب لهم مزيدًا من الإحباط.
  • وأخيرًا، التخفيف على أنفسنا بشأن ما سيقوله الناس عنا وعن أبنائنا، فلسنا وحدنا من نعاني، بل كذلك الآخرون مع أبنائهم.

استقلالية الأبناء

عزيزي الأب: من المهم أن تسأل نفسك، هل ممارساتك مع أبنائك تزيد الخوف أم تزيد الحب، أم تخلق شخصية اتكالية فوضوية تأخذ ولا تعطي ولا يعتمد عليها؟ وفي النهاية نندب حظنا لأننا أسهمنا بدون وعي في خلق جيل هش لا يتحمل مسؤولية، ولا يؤدي مهمة، ولا يمتلك مهارة.

ويمكن أن نلخص دور الوالدين في تدريب أبنائهم على الاستقلالية في وقت مبكر ما أمكن، ومن ثم الانسحاب التدريجي من حياتهم مع البقاء كمرجع ومصدر خبرات يستعين بها الأبناء عند الحاجة.

وأخيرًا، فإن كل ما كتب هو في غاية السهولة نظريًا، لكنه يحتاج جهدًا عند التطبيق، حيث إن أغلبنا جُبل على النقد والتصحيح، والإدانة والاستجواب، والتأديب والتأنيب، والتهذيب والنصح والإرشاد الممل، والمحاضرات والمواعظ، ونبرات الصوت الشديدة وتقطيب الجبين.

Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge