في حديث موسع عن السلامة

الناصر: قيمة الشركة تعتمد على موظفيها ولا شيء أهم من سلامتهم وسلامة مجتمعاتنا

الناصر: قيمة الشركة تعتمد على موظفيها ولا شيء أهم من سلامتهم وسلامة مجتمعاتنا

يؤكد تعريف السلامة لدى أرامكو السعودية على أنها كل ما من شأنه أن يحقق حماية أنفسنا، وحماية الآخرين، وحماية مستقبلنا. وفي حين يُعد وجود ثقافة شاملة للسلامة أمرًا ذا أهمية قصوى في قطاع النفط والغاز، فإن طبيعة الأعمال الرئيسة لأرامكو السعودية، بما فيها إنتاج المواد الهيدروكربونية وتكريرها ونقلها، تنطوي على مخاطر محتملة مرتبطة بالسلامة؛ إذ يفرض التعامل مع منتجات الطاقة والمنتجات الكيميائية توخي أقصى درجات الحذر والحِيطة.

وبينما تفرض الجائحة والتحول الرقمي مخاطر جديدة في هذا الجانب، تبقى السلامة ركيزة رئيسة لتحقيق رؤية الشركة في التحول إلى أكبر شركة طاقة وكيميائيات متكاملة في العالم.

وفي هذا الشأن، ننشر حوارنا مع رئيس أرامكو السعودية، كبير إدارييها التنفيذيين، المهندس أمين حسن الناصر، حيث يدور الحديث معه حول هذا الموضوع.

فهم حقيقة السلامة

بدأنا حديثنا معه بالسؤال الأكبر: ماذا تعني لك السلامة؟

فقال: ذات مرة، قال لي شخص لا يعمل في قطاع النفط والغاز إن السلامة هي ضمان استمرارية العمل. لكنني أختلف معه تمامًا؛ فلا قيمة للشركة دون موظفيها، ولا شيء أهم من سلامتهم وسلامة مجتمعاتنا.

إن أشدَّ ما أخشاه هو وقوع حادثة خطيرة تهدِّد السلامة، فوقوع حادثة واحدة من هذا القبيل، أو حالة وفاة واحدة، لا قدّر الله، هو خسارة فادحة كان بالإمكان تفاديها. الغالبية العُظمى من موظفينا يعملون في معامل ومرافق صناعية، ولكن، سواء أكانوا يعملون في مثل هذه المواقع أم في المكاتب، فسلامتهم هي أولوية قصوى لا تقبل النقاش.

كيف ترسِّخ الشركة ثقافة السلامة؟

 لا شك أن أهم أسباب النجاح هو صنع ثقافة منفتحة نحو السلامة. ولن يتأتى لثقافة السلامة أن تترسخ إلا في بيئة يشعر فيها الموظفون بالقدرة على إبداء آرائهم.

لنتمكن من تجنُّب المخاطر أو منعها، يجب أن نعرف ما يحدث بالفعل في الميدان، في مرافق ومواقع الأعمال وفي المكاتب.

البيئة المنفتحة والتعلم المستمر هما عنصران مهمان لتحقيق ذلك. كما أن للإبلاغ عن ما يهدد السلامة دورًا رئيسًا لتحقيق التميُّز في مجال السلامة، ولا يقتصر ذلك على الإبلاغ عن الحوادث فحسب، بل يشمل المواقف التي كادت أن تُفضي إلى حوادث أيضًا.

ولهذا السبب، تعمل الشركة باستمرار على تسهيل استخدام أنظمتها، لتشجيع الموظفين على الإبلاغ، وتحويل بيئة السلامة في أرامكو السعودية من بيئة صارمة، إلى بيئة تشجع على الإبلاغ على الفور وبصورة دقيقة، وتعزِّز الانفتاح في التواصل. إلى جانب ذلك، فإن التعليم والدروس المستفادة في هذا السياق هي بالمثابة نفسها من الأهمية.

عقول تؤمن بأهمية السلامة

ما السبب الذي يكمن وراء نجاح أرامكو السعودية في ترسيخ ثقافة السلامة؟

الإجابة عن هذا السؤال تكمن في كلمة واحدة، ألا وهي التدريب؛ فنحن لا ندخر أي جهد للاستثمار في موظفينا، لضمان أنهم على قدر عالٍ من التدريب، ولديهم المقدرة على الأخذ بزمام المبادرة إذا ما لزم الأمر.
إن ثقافة السلامة تجري في شراييننا وتشغل فكرنا. ومع ما يكتنف تشغيل مرافق النفط والغاز من مخاطر جمة، إلا أن موظفينا يعرفون كيفية التعامل مع هذه المخاطر، وجهودهم محل فخر واعتزاز كبيرين بالنسبة لي. وتتمتع أرامكو السعودية بخبرة ممتدة لعقود تمكننا من ضمان سلامة موظفينا، إلا أنه يجب علينا فعل ما هو أكثر من ذلك، فلا يمكننا أن نركن إلى الرضا والاكتفاء بما حققناه.

أين وصلت الشركة في رحلتها لتحقيق السلامة؟

تلك رحلة ليس لها نهاية، فالأمر يزداد تعقيدًا وإلحاحًا كلما توغلنا في المستقبل.

صحيحٌ أننا نمتلك سجلًا مشرفًا وحافلًا بالإنجازات في مجال السلامة، إلا أن السقف يزداد ارتفاعًا مع مرور الوقت. الأمر لا يقتصر على مراقبة المخاطر الداخلية، بل هناك أيضًا أخطار وتهديدات خارجية تستلزم منا أن نكون مدركين لها.

لدينا سمعة تشهد بأننا أعلى منتجي الطاقة كفاءة، وهذه مكانةٌ لم نبلغها في يوم واحد، فقد استغرقت منا سنوات طويلة من العمل. وأي تهاون في معايير السلامة، سيلحق الضرر بموثوقيتنا، التي هي أحد العوامل التي نتفوَّق بها في مجال المنافسة.

ما الذي يميِّز ثقافة السلامة في أرامكو السعودية على مستوى العالم؟
إنه الالتزام، فنحن دائمًا نسعى إلى صنع بيئة عمل على أعلى مستوى من السلامة والكفاءة، إذ ليس من المستحيل الجمع بينهما. وأرامكو السعودية خير مثال للعالم على أن السلامة والربحية لا تتعارضان.

التكيُّف مع الجائحة

كيف تؤثر جائحة كوفيد-19على ثقافة السلامة في أرامكو السعودية؟

هذا سؤال مهم للغاية، فنحن نشهد ارتفاعًا في حالات الإصابة بالفيروس هذه الأيام.

الأوبئة تمثِّل أحد المخاطر الرئيسة، وقد تعلمنا كثيرًا من هذه التجربة، خصوصًا في مجال إدارة مكافحة الأمراض المعدية.

إنها حتمًا أوقات صعبة، حيث تستمر الجائحة في عزل الناس بعضهم عن بعض، إلا أنني أعلم أيضًا أنها قد وحَّدتنا من جانب آخر، فإذا نظرت حولك ستجد قصصًا ملهمة يساعد فيها الناس بعضهم بعضًا. كما ينبغي أن أقول إن الجائحة قد جعلتنا أيضًا أكثر وعيًا، وأكثر اهتمامًا وعطفًا على الآخرين.

حينما هبَّت عاصفة الجائحة، انتقل معظم موظفينا الذين يعملون في المكاتب إلى العمل من المنزل بسلاسة. لكن جوهر عملنا هو الإمداد بالطاقة، وإنتاج النفط والغاز والمنتجات والمواد الكيميائية المكررة، وهذا أمرٌ لا يمكن القيام به من المنزل. وتطلَّب ذلك وجود الآلاف من موظفينا في الميدان عبر مختلف مرافق الشركة ومنشآتها، وقضاءهم فترات طويلة بعيدًا عن أُسرهم. كانت تلك تضحية كبيرة، لكنها ساعدت أرامكو السعودية على الاستمرار في إنجاز أعمالها، في حين توقفت معظم الأعمال في العالم.

ومن أجل ضمان سلامة موظفينا وأفراد أُسرهم، كان علينا أن نقوم بالعمل بشكل مختلف، ففرضنا احترازات إضافية، على الرغم من أن عديدًا من المتطلبات والإجراءات المعيارية للسلامة التشغيلية كانت بمثابة إجراءات وقائية ضد الفيروس. لقد رفعنا سقف إجراءاتنا الاحترازية، وبالمثل، فإن سقف التوقعات مرتفع أيضًا لأننا أرامكو السعودية.

هذا ما يتطلَّبه الوضع الراهن لكوفيد-19 منا. حيث ينبغي على الجميع، على كافة المستويات في الشركة، أن يدركوا تمامًا الإجراءات التي يجب عليهم اتخاذها استنادًا إلى سيناريوهات المخاطر المتعددة الموضحة في بروتوكول الاستجابة لكوفيد-19. وتبين تجارب الدول الأخرى في مكافحة السلالات المتحوِّرة من كوفيد-19 أنه لا يوجد مجال لاتخاذ حلول وسطى أو الركون إلى الرضا والاكتفاء بما حققناه.

ولا شك أن بُعدنا عن أُسرنا، وعدم قدرتنا على القيام بما اعتدنا فعله، كالخروج مع الأصدقاء إلى المقاهي أو ممارسة أنواع معينة من الرياضة، قد تكون له آثارٌ سلبية على أمزجة الجميع، إلا أنه بالمقابل لا زال بإمكاننا تفقد آبائنا وأقاربنا باستمرار بفضل تقنيات الاتصال عبر الفيديو.

وبطبيعتي المتفائلة دائمًا، أنا واثق من أن حياتنا ستعود إلى طبيعتها شيئًا فشيئًا، وذلك في ظل توفر اللقاحات. لكن في الوقت الراهن، علينا فعل ما بوسعنا لتخطي هذه الأزمة الصحية، وعلينا أن نتحلى بروح الفريق الواحد، وهذا يتضمَّن بطبيعة الحال، التسجيل من أجل أخذ اللقاح، ولهذا أطلب من أولئك الذين لم يبادروا إلى التسجيل حتى الآن، أن يقوموا بذلك.

مستقبل السلامة

كيف يمكن للشركة أن تحافظ على مستوى السلامة في الشركات المنتسبة لها وشركائها في المشاريع المشتركة، في وقت تشهد فيه نموًا مضطردًا؟

النمو عامل رئيس لنجاح الشركة وتحقيق طموحاتها في المستقبل، فشبكتنا العالمية ستستمر في التوسع خلال العقود القليلة المقبلة، سواء من خلال النمو الداخلي أو من خلال عقد الشراكات مع الآخرين، حيث نستمر في تنويع محفظتنا الاستثمارية. لكننا في غاية الوضوح فيما يخص هذا الأمر؛ فالسلامة والموثوقية أمران لا يقبلان التفاوض عندما تريد أي جهة عقد شراكة مع أرامكو السعودية.

كيف ستغيِّر التقنية مستقبل السلامة؟

لقد كان للثورة الصناعية الرابعة أثر عميق على البنية التحتية لقطاع النفط والغاز، لم يسبق مثيله منذ ظهور محركات الاحتراق.

وفي الوقت الراهن، تُتاح لنا فرصة الاستفادة من تقنيات ما كان لنا أن نحلم بها قبل عقد من الزمان. وعلى سبيل المثال، فإن المدن والمعامل الذكية، التي مكَّنت من ظهورها تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، لديها القابلية لأن تكون أكثر أمانًا من المدن والمعامل التقليدية.

إن استخدام مثل هذه التقنيات كان السبب وراء الاحتفاء بمعمل الغاز في العثمانية ومعمل خريص كمنارتين صناعيتين من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي.

وفي المقابل، هناك مخاطر جديدة ترتبط بالتقنية من قبيل الهجمات الإلكترونية. ومع ذلك، فأنا واثق من أننا إذا أظهرنا التزامًا بالسلامة في العالم الرقمي، بما يضاهي التزامنا بها في ميدان الأعمال الصناعية، فإن بإمكاننا إدارة هذه المخاطر، مع استثمار الفوائد الهائلة الكامنة في التحول نحو شركة أذكى وأكثر اعتمادًا على البيانات.

 
Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge