مراجعة كتاب

كي لا تكون السمكة الحمراء

كي لا تكون السمكة الحمراء

يبحث هذا الكتاب بشكل نقدي التطورات التي أحدثتها الثورة الرقمية وتقنيات التواصل الاجتماعي، بحيث صارت تؤثر بشكل غير مسبوق على تفاصيل الحياة الإنسانية اليومية بمختلف جوانبها. الكتاب بعنوان "حضارة السمكة الحمراء"، وهو من تأليف الإعلامي الفرنسي وعميد مدرسة الصحافة في كلية العلوم السياسية بباريس، برونو باتينو، وترجمه إلى العربية د. مصطفى حجازي.

في هذا الكتاب يشبّه المؤلف مستخدمي تقنية الاتصال الرقمية في أهم تجلياتها وهي شبكة الإنترنت بما تتيحه من تطبيقات متعددة ومتنوعة للتواصل، بأسماك الزينة الحمراء التي لا يتعدى مدى انتباهها 8 ثوان وتظل تدور بلا كلل في حوضها الزجاجي، وهو يؤكد في هذا الإطار على حالة التشتت وعدم التركيز التي أصبحت تسيطر على معظم من يستخدم هذه التقنية؛ فجيل الأجهزة الرقمية بدوره لا يتجاوز مدى انتباهه 9 ثوان، ودخل من دون وعي منه في حالة من "الإدمان" تستدعي في نظره علاجًا سريعًا للحد من تأثيراتها السلبية.

يشير المترجم في تقديمه للكتاب إلى أن قيمته تتمثل في أنه يسلط الضوء على الجوانب الخفية من تقنيات التواصل الرقمي ويوفر الوعي بسلبياتها كي نطور في النهاية استخدامنا لها لصالحنا بالاستفادة فقط من إيجابياتها.

يضم الكتاب 11 فصلًا قصيرًا يناقش فيها الكاتب فكرة رئيسة ترتبط بآلية عمل التقنيات الرقمية وتأثيراتها المتعددة. يعالج على سبيل المثال مسألة تفتيت الانتباه التي صارت تميز مستخدم الإنترنت، حيث يتسارع انتقاله بين المشاهد المتتالية ويستغرق زمنيًا في مطالعة عشوائية لمضامين متباينة، ويستعرض أنماط "إدمان الشاشة" التي تسود المجتمع الرقمي الذي من شأنه ترسيخ حالة من الهشاشة العقلية تفرز أنواعًا جديدة من القلق والخوف وتعدد الهويات والأقنعة للشخص الواحد بسبب تعدد وجوده في مثل هذا المجتمع بحيث يصعب عليه تمييز هويته الفعلية.

وينتقد باتينو كذلك ما أسماه "قرصنة الدماغ" من قبل المنصات الرقمية، التي لا هم لها إلا إقناع المستخدم وإغرائه بمنتجاتها والهيمنة المطلقة على وقته بحيث لا يكون باستطاعته الفكاك من ملاحقتها له.

ويحرص المؤلف في كتابه على تقديم ما يعده حلًا للكفاح ضد كافة أشكال السيطرة على انتباه مستخدمي المنصات الرقمية، ومنه الإفلات الإرادي من التعرض المستمر لها، أي التحرر منها بتخصيص وقت يبتعد فيه الإنسان طواعية عنها، وشرح كيفية التعامل معها بالشكل الملائم الذي يعمل على تحقيق الصالح الشخصي للمستخدمين لها على اختلاف فئاتهم.

Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge