حينما تفكر المرأة في التقاعد فهي تضع في أول الأمر تواجدها أكثر مع أسرتها، فالوظيفة مهما كانت أهميتها تستهلك وقتًا طويلًا وجهدًا جبارًا، لذا، تتقاعد المرأة الموظفة عن العمل لأسباب عدة، إما لأن تعمل بشكل خاص في عمل تجاري خاص بها، حيث تجد مرونة أكثر في الوقت، أو لرغبتها في تواجدها بشكل مكثف مع أبنائها، وتواجدها أكثر في الحياة الاجتماعية، وتواصلها أكثر مع الأقرباء والصديقات.
لكل متقاعدة اتخذت قرار التقاعد قبل وقته قصة، ولكن الأجمل من كل ذلك، أن معظمهن اتخذن القرار من أجل الالتفات والمضي بشكل أوسع في الحياة الأسرية، والوقوف مع أبنائهن الذين باتوا بالفعل بحاجة إلى وجود الأم أكثر من ذي قبل، فبعض المتقاعدات اخترن التقاعد للسفر مع أبنائهن لإكمال دراستهم في الخارج، والبعض يريد إكمال دراسته العليا، وأخريات اخترن التطوع. لذا، تجد الأم أو المرأة بشكل عام أن أفضل ما تقوم به هو التقاعد، منه على سبيل المثال الوقوف مع أبنائهن في إكمال مسيرتهم الجامعية.
و"القافلة الأسبوعية" تسلط في هذا التقرير الضوء على المرأة المتقاعدة من العمل، ومعرفة أسباب اختيارهن للتقاعد قبل حينه.
بدأت حياتي من جديد
فوزية أحمد الصوفي، اختارت التقاعد من مهنة التعليم بعد 23 عامًا، وتقول عن أسباب تقاعدها، "أخذت القرار بمفردي من دون أية ضغوط، حتى أنني لم أتشارك في هذا الموضوع مع زوجي، لإيماني الجاد بالفكرة، وأذكر أن ابنتي الصغرى وسن، قد شعرت بالغضب لأنها كانت تريدني أن أكون معلمتها في الصف الرابع، وقد أوجعني حزنها لكنني كنت قد اتخذت القرار ولا رجعة فيه أبدًا".
وتضيف: "مهنة التعليم مهنة في غاية الأهمية لكنها متعبة وتحتاج إلى جهد كبير والتزام أكبر". وحينما سألناها عن محاسن التقاعد قالت: "أشعر بالراحة النفسية، لكني أعترف أنني أفتقد كثيرًا زميلات المهنة، إلا أنني وجدت نفسي قريبة من أبنائي أكثر من ذي قبل، كما أن لدي ولدين في المرحلة الجامعية يدرسان خارج السعودية، فكنت أستطيع السفر لرؤيتهما متى شئت، ومساعدتهما في تخطي مصاعب الغربة، بالإضافة إلى أنني استطعت أن أكوِن مجموعة جديدة من الصديقات المتقاعدات، وبدأت حياتي من جديد".
الشعور بالسكينة والاستقرار
نورة سعد خليفة تقول عن اختيارها للتقاعد المبكر: "عملت لعشرين عامًا، قدمت كل ما أستطيع من خلال وظيفتي التي كنت أشغلها، كنت مجتهدة ومثابرة ولا أذكر أني تأخرت عن تقديم أي من مهام عملي، كنت مخلصة جدًا لوظيفتي، وفكرت بالتقاعد لكي أفسح المجال للشابات ليأخذن حظهن من العمل، كما أنني كنت أشعر باللوم كثيرًا لأنني كنت مشغولة عن أسرتي، وكان القرار ولم أندم عليه ولو للحظة، فوجودي وسط أسرتي بشكل دائم يشعرني بالبهجة والسعادة".
وتقول عن محاسن التقاعد: "منذ أن تقاعدت بدأت أشعر بالاستقرار أكثر، إلى جانب الراحة الجسدية، وبت أكثر تقربًا في العبادات الدينية، كما استطعت أن أطور نفسي فالتحقت بعدد من الدورات في مركز التنمية الأسرية في المنطقة التي أقطن فيها"، وتضيف: "لا أظن أن التقاعد عن العمل له مساوئ على الإطلاق، بل على العكس هي مرحلة لابد لنا أن نصل إليها سواءً أكان الوقت مبكرًا أو في حينه".
التطوع وإكمال الدراسة الجامعية
بدرية العبدالحي تقاعدت من العمل في أرامكو السعودية بعد مضي 25 عامًا، وكان سبب تقاعدها هم أطفالها الذين كانوا في أمس الحاجة لوجودها، ولم تكن تريد أن تكون هناك خادمة للاهتمام بهم في غيابها، فقد كانت ترغب في تنشئتهم بنفسها. وتقول بدرية: "في الحقيقة أنا أشجع المرأة بعد خدمة طويلة من العمل على التقاعد، والاهتمام بنفسها وبحياتها الاجتماعية، فالعمل لساعات طويلة لا يترك مجالًا للاهتمام أكثر بالأبناء والسفر في أي وقت، بالإضافة إلى قلة حضور المناسبات الاجتماعية والأسرية".
وتضيف العبدالحي: "استفدت كثيرًا من التقاعد، فأنا أعشق القراءة وممارسة الرياضة، لذا، كان لدي متسع من الوقت للاهتمام بهواياتي، إلى جانب تنظيم حياتي الأسرية، كما وأنني أخطط لإكمال دراستي العليا، وقمت أيضًا بالتطوع في مدارس الأطفال، وتنظيم الرحلات للمدارس". ماذا عن المساوئ هذا كان سؤالنا لبدرية، فأجابت: "افتقد زميلات العمل، بالإضافة إلى أن العمل في أرامكو السعودية ينظم حياتك بأكملها، لذا، ما أن تبتعد عن الشركة حتى تتحول حياتك أحيانًا إلى نوع من الفوضى".
أدرب الفتيات على السياقة
بدرة سعد تقاعدت عن العمل بعد 20 عامًا، وتقول: "من وجهة نظري الشخصية يفضل للمرأة أن تتقاعد قبل أن تصل لسن التقاعد الفعلي، حتى تستطيع أن تستمع أكثر في حياتها، وإذا أرادت أن تملأ حياتها بعمل ما، فيمكنها أن تعمل في مجال الأعمال الحرة".
وتضيف بدرة: "أما عن نفسي فأنا استفدت من الوقت بأخذ عدد من الدورات، إلى جانب القيام بأعمال تطوعية، وحاليًا أقوم بتدريب فتيات الأسرة والصديقات على سياقة السيارة، وأشعر بالمتعة لأنني أمتلك الوقت لنفسي، وأستطيع من خلاله تنظيم ما أود القيام به".