إضاءة

إذا‭ ‬أنتَ‭ ‬لم‭ ‬تتغيّر..كنت‭ ‬كالصخرة

إذا‭ ‬أنتَ‭ ‬لم‭ ‬تتغيّر..كنت‭ ‬كالصخرة

"التغيير هو الثابت الوحيد في الحياة"..مقولة شهيرة، صارت تطرق مسامعنا بشكل متكرر في الآونة الأخيرة، وخاصة في ظل التحديات التي يعيشها العالم في مواجهة جائحة فيروس كورونا. بادرتُ صديقًا لي وردت هذه العبارة على لسانه بالسؤال عما إن كان يعرف صاحب هذه المقولة، فكان جوابه سريعًا بأنه لا يعرف اسم الشخص على وجه التحديد، ولكنه بالتأكيد لن يخرج عن كونه واحدًا من أولئك القادة الأفذاذ من ذوي الرؤية الثاقبة الذين غيروا مستقبل الصناعة والتقنية معًا، وقفزوا بنا في آلة الزمن إلى ما نجد أنفسنا عليه اليوم. 

ولكم أن تتخيلوا كيف صارت ملامحه عندما أخبرته بأنها منسوبة للفيلسوف اليوناني هيرقليطس الذي عاش في عصر ما قبل سقراط (توفي عام 480 ق.م).

هذه المقولة إذًا ضاربة بجذورها في تاريخ الإنسانية، وعلى الرغم من حاجة الإنسان للتغيير كي يتأقلم مع المتغيرات من حوله، إلا أنه وبطبيعته يخشى مسار التغيير ويربي في داخله مقاومة ومناعة ضد التغيير. فمن ناحية، يثير التغيير المخاوفَ لما ستؤول إليه الأمور في المستقبل. ومن الناحية الأخرى، فإن الاعتياد على البرنامج الروتيني في الحياة اليومية يولّد لدى الجميع، أفرادًا ومؤسسات، نوعًا من الخمول الذي يوحي به الأمان الوقتي، دون الأخذ بعين الاعتبار التحديات المقبلة. ويمكن ملاحظة هذا السلوك عند التعامل مع تجارب النجاح والفشل، أو خوض غمار تجربة جديدة.

ويذكر في هذا السياق الدراسات والأبحاث التي قدمتها كارول دويك، أستاذة علم النفس في جامعة ستانفورد، في مجال السمات العقلية السلوكية، وقدمتها في كتابها "العقلية: السلوكية الجديدة للنجاح" الصادر عام 2006م. وتنطلق نظرية دويك على أساس تقسيم العقليات إلى قسمين: العقلية الثابتة، والعقلية القابلة للنمو. فالأشخاص الذي يأخذون طابع العقلية الثابتة، يؤمنون أن ذكاءهم ومواهبهم وقدراتهم هي صفات ثابتة ومحسومة بشكل نهائي. فمثلًا، تتمثل هذه العقلية عند المتعلم لتكون حجرة عثرة أمام التعلم والتطور، ليتركز جل اهتمامه في عملية التعليم إلى الرقم النهائي لعلاماته أكثر من اهتمامه من مدى الاستفادة من المادة العلمية والمهارات المكتسبة. 

في المقابل، هنالك أشخاص يأخذون طابع العقلية القابلة للنمو، فهؤلاء يؤمنون أن الأشياء كالذكاء والقدرات والمواهب يمكن أن تتشكل وتنمو وتتطور من خلال الجهد والتدريب. ولذا، فهم يتميزون بقدرتهم على أن يصبحوا أكثر ذكاءً وموهبة، وهذا ما يعزز لديهم المرونة لقبول التحديات والعراقيل ومواجهتها بشكل إيجابي.

فالأشخاص من فئة العقلية الثابتة، يعتبرون التغيير المرتبط بالتحديات والعراقيل التي يجب تجاوزها بمثابة تهديد للإحساس بقدراتهم، وأن الأشياء يجب أن تحدث من تلقاء نفسها إن كنت تمتلك القدرة. ولهذا فهم لايجدون المبرر اللازم للقيام بأية جهد إضافي، وبالنتيجة لا يمكنهم التكيف مطلقًا مع أية معطيات جديدة. فهم يعفون أنفسهم من مسؤولية التحسن والتطور. وعلى النقيض من ذلك، فإن فئة العقلية القابلة للنمو يرحبون ويستمتعون بالجهد لأنهم يجدون فيه فرصة لتنمية ذكائهم وقدراتهم.

ونحن نعيش كل هذه المتغيرات من حولنا، أو كما نطلق عليها بالحياة الطبيعية الجديدة، يتوجب علينا أن نقبل عليها بوعي وعقلية مرنة لكي نكون على أهبة الاستعداد للتحديات القادمة وما تتطلبه من مرونة، والأهم من ذلك كله بالطبع، هو مواصلة مسيرة النجاح.

 

ترحب القافلة الأسبوعية بمشاركة الموظفين في الكتابة لزاوية إضاءة، وذلك لتعميم الفائدة من خلال مايطرح فيها من أفكارمتنوعة تعّبر عن آراء كّتابها.
Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge