إضاءة

لقاح الأمل

لقاح الأمل

لو لم يكن إلا شروق الشمس ليهبنا الثقة في الحياة لكفى، فكيف ونحن نُبعث يوميًا إلى ميلاد جديد. نخرج من ظلال السكون إلى حيوية الحركة، ننفض عن أجسادنا غبار الأمس ونقبل على يومٍ مشرَعٍ على فضاءات الحلم. 

لا شيء يهبنا الدافعية للعمل والعطاء إلا هذا الأمل المعلق على أهداب عيوننا. نرى ما نرى من المنغصات، ونحمل ما نحمل من الهموم والهواجس والمنغصات، ويبقى الأمل هو القاعدة الأقوى التي نبني عليها صورة الحاضر والمستقبل. الأمل الذي يتسلل في كل نَفَسٍ من أنفاسنا، وكل نبضة من نبضات القلب.

عايشنا جميعًا آثار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) على صحتنا الجسدية والذهنية، والتعقيدات التي أدخلها على ممارساتنا وحياتنا اليومية، حتى وإن لم نكن قد أصبنا به بشكل مباشر، إلا أن الأمل كان يحمينا من الذهاب في لحظة انكسار روحي ونفسي لا نعرف السبيل للخروج منها. تربكنا الأرقام، وتحاصرنا الإجراءات، وتطير بنا الهواجس بعيدًا، بينما نمسك بخيوط الشمس لنطرّز قميصًا جديدًا لأمل جديد، نصبح معه أكثر قوة وثقة بأن أغصان الشجر التي لا تكسرها الريح ليست إلا درسنا الآخر في مواجهة أزمات الحياة. كم من الرياح مرّت وهذه الأشجار راسخة تحافظ على عظمتها وحيويتها، كلما سقطت ورقة أبدلتها بأخرى أكثر خضرة ونضارة. 

كُنّا كمن يقف على حدود الأمل، نسقي أرواحنا بماء التفاؤل، ونترك الأسئلة المتطايرة تعانق غيمة الإجابات الممكنة. نقبض على يومنا بكثير من الحب، ونعلق على باب الغد قائمةً بالأمنيات المؤجلة. بهذا استطعنا أن نُبقي الأمل حيًا، يكبر مع الوقت ولا يذبل، يحرسنا ونحرسه، فهو القادر على حصار كل المخاوف ساعة الجد، فلا التقارير الإخبارية ولا الإحصاءات كانت قادرة على طرد كل القلق الذي حملته المرحلة الفائتة. كان الأمل في الله ورحمته وإحسانه لقاحًا ناجعًا لتعزيز المناعة النفسية، وطرد الوساوس القاهرة.

اليوم، والحديث يتزايد عن قرب التوصل إلى اللقاحات الخاصة بالمرض، نجد أن «لقاح الأمل» هو أهم علاج يحتاجه الناس. وهو لقاح لا يأتي من مختبرات الصحة، ولا مختبرات التجارة، وإنما من مختبرات العقل والروح. هذه الروح التي تكبر بالأمل كشجرة، وتعتلي لتهبنا الراحة النفسية والسعادة والنجاح. فإن كنت ما تزال تتأرجح على حد القلق من موجة الوباء، مُدّ يدًا إلى داخلك لتمسك بأطراف الأمل، وتطير به إلى لحظات الاستقرار، وراحة البال. اقترب أكثر من هذا الدواء الثمين، الذي لا يباع ولا يشترى بالمال ولا يُقدر بثمن، لكنه موجود دائمًا فينا، وكل ما علينا هو أن نسقيه كل يوم حتى يكبر لنتمكن من التشبث به حين نكون أحوج ما نكون إليه.

Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge