أرامكو السعودية وفورمولا 1 يبتكران محركات المستقبل

أرامكو السعودية وفورمولا 1 يبتكران محركات المستقبل

تحظى أرامكو السعودية وفورمولا 1 بمكانة رائدة، كلٌّ في قطاعه؛ فإحداهما هي شركة الطاقة والبتروكيميائيات الأكثر قيمة في العالم، وتمثّل الأخرى الرياضة الأسرع والأكثر إثارةً في العالم. 

بَيْد أن القواسم المشتركة بينهما أكثر مما تظن؛ فكلاهما في طليعة مبتكري تقنيات المركبات وبينهما التزام مشترك بجعل محرك الاحتراق الداخلي أكثر فاعلية، وكلاهما يستكشف الفرص المتاحة لتحسين كفاءة المركبات وتحقيق فوائد الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، سواءً في مجال الرياضة أو في قطاع النقل العالمي. وقد تؤدي نتائج هذه الأبحاث إلى تأثيرات هائلة على السيارات التي نقودها في المستقبل، وبالتالي الحد من الانبعاثات، وتقليل التلوث، وتعزيز السلامة والكفاءة، وتحسين تجربة السياقة ككل. 

في سياق آخر، قد لا تخطر سباقات فورمولا 1 على بالك مباشرة عندما تسوق سيارتك من وإلى العمل كل يوم؛ ولكن إنجازات فورمولا 1 أثبتت فائدتها في قطاع صناعة السيارات بشكل مباشر من عدة نواح مهمة، ومن بين ذلك الابتكارات الديناميكية الهوائية، وتطويرات السلامة، وأنظمة استخلاص الطاقة والمواد المركّبة التي اعتمدتها فورمولا 1 في قطاع سيارات الطرق المعبّدة وفي صناعات أخرى. 

تحسينات على أنظمة الوقود والمحركات 

لنتأمل قليلًا في كم التقنيات التي تطرقت إليها شبكة مختبرات البحوث والتطوير التابعة لنا حول العالم حتى الآن. فعديد من هذه التقنيات متوفر الآن، أو سيتاح في القريب العاجل، ومنها: محركات البنزين التي تعمل بتقنية الإشعال بالضغط (GCI)، والمحركات النفاثة التي تعمل بتقنية الاحتراق الموزع (TJI)، والمحرك ذو المكابس المتقابلة، واحتجاز الكربون من مصادر متحركة. ويعمل باحثو أرامكو السعودية، بالتعاون مع المصنِّعين الأصليين للمحركات، على تجنب استخدام غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة تصل إلى 50%. 

فكرْ في واحدة فقط من هذه الابتكارات الواعدة، ولتكن مثلًا محركات البنزين التي تعمل بتقنية الإشعال بالضغط. تعتمد هذه التقنية على تحسين الوقود والمحرك كنظام للحد من استخدام غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة 17% بالمقارنة مع أفضل محركات البنزين الحالية التي تعمل بتقنية الإشعال بالشرر. وتنتج المركبة التي تعمل محركاتها بتقنية الإشعال بالضغط ما يقدّر بـ84 غرام من ثاني أكسيد الكربون لكل كيلو متر، وهو أقل بكثير من هدف الاتحاد الأوروبي الذي يبلغ 95 غرام لعام 2020م. 

تعمل أرامكو السعودية على تطوير محرك الاحتراق الداخلي، ورفع كفاءته بالتعاون مع مُصنعي السيارات والشركاء لجلب بعض هذه التقنيات المتقدمة إلى السيارة العادية" أحمد الخويطر

إن البحث عن حلول أكثر فاعلية يعود بالفائدة على كلٍّ من الأعمال التجارية والبيئة. ومن المتوقع أن يتضاعف حجم الاقتصاد العالمي بحلول عام 2050م؛ حيث سيحتاج ما يقرب من ملياري شخص إضافي الحصول على مصادر طاقة بأسعار مقبولة. وفي الوقت الراهن، تشكّل المركبات الكهربائية أقل من %2 من 1.2 مليار هو إجمالي المركبات حول العالم. ولن يمثّل قطاع المركبات الكهربائية سوى %10 من حصة السوق حتى لو استمر في النمو بالوتيرة الحالية. وتُظهر التوقعات أن محركات الاحتراق الداخلي ستظل الرائدة في قطاع النقل حتى عام 2040م لتمثّل أكثر من %85 من السوق العالمي. 

وهذا يعني أن مستقبلنا جميعًا يتطلب الابتكار على جميع الأصعدة. وسيمثّل التحول للأنظمة الكهربائية جزءًا من الحل في قطاع النقل، ولكن محركات الاحتراق الداخلي ستؤدي دورًا مهمًا أيضًا. وإذا كنا جادّين في مسألة الحد من انبعاثات الكربون بشكل كبير فيجب أن نعيد التفكير بالمحرك الذي سيستمر أغلب العالم باستخدامه حتى حين. 

جميع تلك الأبحاث الحديثة لا تظل حبيسة المختبرات؛ بل تتغلغل في كل نواحي حياتنا اليومية. وبدون مبالغة، فإن أحدث أبحاث تقنية محركات المركبات اليوم تماثل أبحاث تقنيات عصر الفضاء في أواخر القرن العشرين. ولو استرجعت بعض المنتجات التي تمخض عنها سباق الدول في المجال الفضائي، فستجد على سبيل المثال لا الحصر: ميزان الحرارة الذي يعمل بالأشعة تحت الحمراء، والأطراف الاصطناعية، والسماعات اللاسلكية، والمصابيح الموفرة للكهرباء، والمكانس اللاسلكية المحمولة، والأطعمة المجمدة المجففة، والإسفنج القابل للتشكيل، وعدسات النظارات المقاومة للخدش.

وتعكف فورمولا 1، شأنها في ذلك شأن أرامكو السعودية، على الابتكار المستمر ليكون محرك الاحتراق الداخلي - المحرك الرائد في العالم للنقل - أكثرَ كفاءة وفاعلية.

تُعد اليوم وحدة القدرة (المحرك والجيربكس)، التي أنتجتها فورمولا 1، والتي تتميز بمحرك توربيني هجين، أعجوبة في هندسة السيارات. فهي قوية بما يكفي لتسمح للسائقين بالتسارع من صفر إلى 100 كيلومتر/ساعة خلال 2.6 ثانية بسرعة قصوى تبلغ 360 كيلومترًا في الساعة. كما تم تعديل المحرك لجعله أكثر كفاءة، مما أدى إلى تقليل الانبعاثات. وقد اكتسب المحرك اليوم قوة أكبر بنسبة 20% مقارنة بالمحرك السابق، الذي استخدمته فرق فورمولا 1 حتى عام 2013م، مع تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 26%، إضافة إلى كفاءته الحرارية واستخلاص الطاقة بنسبة تزيد عن 50%.

ولم تكتفِ فورمولا 1 بذلك، حيث أعلنت عن أول إستراتيجية استدامة لها على الإطلاق تتضمن عزمها على نقل خفض الانبعاثات إلى المستوى التالي في تصميمات المحركات المستقبلية، ليس عبر سيارات سباق عديمة الانبعاثات الكربونية فحسب، ولكن أيضًا نحو رياضة خالية من الكربون بحلول عام 2030م.

شراكة بحثية مثمرة

وتهدف أرامكو السعودية وفورمولا 1 من خلال شراكتهما الجديدة إلى تعزيز التقنيات الجديدة لتحسين الأداء بشكل كبير وتقليل انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري الناتجة عن النقل.

وتعليقًا على ذلك، قال كبير الإداريين التقنيين في أرامكو السعودية، الأستاذ أحمد الخويطر، لشبكة سي إن بي سي، مؤخرًا، إن أرامكو السعودية تتعاون مع مصنّعي السيارات لتطوير أنواع وقود أفضل لمحركات البنزين، التي تعمل بتقنية الإشعال بالضغط، مع البحث في الوقت نفسه عن طرق لجعل محركات البنزين، التي تعمل بتقنية الإشعال بالشرر، فاعلة مثل محركات الديزل، ولكن بدون مشكلة الانبعاثات المعروفة عن محركات الديزل.

وقال الخويطر: «نحن فعلًا متشوقون لهذه الشراكة مع فورمولا 1 لأنها تفتح عالمًا جديدًا من التقنيات».

وتخطط كلٌّ من أرامكو السعودية وفورمولا 1 لاستكشاف فرص التعاون في كفاءة المركبات وتحقيق فوائد تقليل الكربون في مجال الرياضة، وكذلك في قطاع النقل العالمي. ويرى كلاهما فرصًا سانحة في تحسين كفاءة المحرك، وتحسين الوقود منخفض الكربون، وتقليل الانبعاثات، وتخفيف الوزن، وحلول إدارة الكربون. وأضاف الخويطر أن أرامكو السعودية تعمل على تطوير محرك الاحتراق الداخلي، ورفع كفاءته من خلال التعاون مع مصنّعي السيارات ومع الشركاء لجلب بعض هذه التقنيات المتقدمة إلى السيارة العادية.

وبالتالي، فإن تعاون الشركة مع فورمولا 1 هو أكثر من مجرد مكان رفيع المستوى نُبرز فيه علامتنا التجارية، حيث يمنحنا هذا التعاون منصةً عالميةً نعرض فيها التزامنا وتجاربنا الابتكارية في قطاع النقل، مما يثبت بقوة أن محرك الاحتراق الداخلي والوقود البترولي سيبقيان طويلًا، وسيكونان عاملين رئيسين في احتياجات النقل العالمية لعقود قادمة. كما تسمح لنا تلك المنصة بإظهار مدى جدّيتنا بشأن استدامة صناعة السيارات حين يتعلق الأمر بتحديات مثل تغيُّر المناخ، وأن الشركة تؤدي دورًا رائدًا في إيجاد حلول تقلل الانبعاثات.

لذا، فلربما يجدر بك أن تضع ذلك في حسبانك عندما تشاهد سباق الجائزة الكبرى التالي في فورمولا 1، الذي هو حتمًا أكثر وأبعد من مجرد مضمار سباق تتنافس فيه سيارات مسرعة بهدير محركها الصاخب. والأمر المؤكد هو أنه يمكن لهذه الأبحاث، التي أخرجت لنا هذه المحركات القوية والموفرة للطاقة، أن تؤدي إلى تحسين نوعية الحياة بشكل كبير لأجيال قادمة في كل أرجاء العالم.

Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge