يمكن استخدام الطحالب الدقيقة المزروعة في مياه الصرف أو مياه البحر؛ لإنتاج وقود منخفض الانبعاثات الكربونية.
نبات المحيطات ذو الأسرار الخفية
- مجلة عناصر
- الاستدامة
اعتاد شعب الأزتيك تناول الطحالب، وكان الصينيون القدامى يعتقدون أنها قادرة على معالجة معظم الأمراض. أما اليوم، فقد أثبتت الطحالب الدقيقة أنها مصدر مهم محتمل للطاقة، ومن الممكن أن يكون لها دور مهم في التحوّل إلى مستقبل منخفض الانبعاثات الكربونية.
تُعد الطحالب الدقيقة من بين أصغر النباتات في العالم، لكن هذه الكائنات الحية العائمة بحُرية دون جذور أو أوراق تنتج أكثر من نصف الأكسجين الذي نتنفسه، بالإضافة إلى إنتاجها مجموعة من المركّبات النشطة حيويًا. ويُقدِّر العلماء أننا درسنا حتى الآن حوالي 50 ألف نوع فقط من أصل عدد يتراوح ما بين 200 ألف و800 ألف نوع من الطحالب الدقيقة التي يُعتقد أنها موجودة. لكن الأبحاث كشفت بالفعل عن أكثر من 15 ألف مركب جديد تُنتجها هذه الأنواع، بدءًا من الأحماض الدهنية والإنزيمات ووصولًا إلى البوليمرات والستيرولات، والعديد منها له تطبيقات مفيدة محتملة في مجال الصحة وغيره.
مصدر جديد للطاقة
تفتح الطحالب الدقيقة آفاقًا جديدة في مجالي التغذية والطب، لكن الخبراء متحمسون أيضًا للإمكانات التي تحملها هذه الكائنات المجهرية الدقيقة من خلال استخدامها ككتلة حيوية، إذ يمكن تحويلها إلى منتجات مثل الوقود الحيوي والأعلاف الحيوانية والمستحضرات الدوائية. فالبنية البسيطة لأنسجتها تجعلها فعالة للغاية، فهي تحوّل ضوء الشمس إلى طاقة كيميائية أسرع من معظم النباتات الأخرى، مما يُضاعف حجمها كل يوم. الاهتمام بالكتلة الحيوية للطحالب واستخدامها مصدرًا للغذاء أو الطاقة إلى أكثر من خمسة عقود، حيث تزداد الأنشطة البحثية حول الطحالب على مرّ السنين. وبينما قد يبدو إنتاج الوقود في برك الطحالب أمرًا مستقبليًا، لكنها مسألة وقت فحسب، إذ لطالما كانت الطحالب منذ ملايين السنين من ضمن بقايا الكائنات البحرية المكوّنة للهيدروكربونات العضوية، التي نشأت منها موارد النفط والغاز في العالم.
وفي الوقت الراهن، يمكننا تجاوز تلك العملية التي تستغرق وقتًا طويلًا جدًا من خلال زراعة الكتلة الحيوية واستخراجها، بل إن ذلك بإمكاننا حتى في بعض المناطق غير المتوقعة من العالم حيث لا ينمو سوى القليل من أي شيء آخر.
وفي أرامكو، نعكف على إجراء أبحاث مكثفة حول إمكانات الوقود الحيوي المُستمد من الطحالب، وقد أنتجنا بالفعل أول دفعة خام حيوي من الطحالب الدقيقة، وتأتي جهودنا هذه في إطار استكشاف أوسع نطاقًا لكيفية الاستفادة بشكل أكبر من الحلول الطبيعية لإدارة الانبعاثات والحدّ منها في أعمالنا.
مدّ يد العون للطبيعة
تنمو الطحالب الدقيقة في كل مكان، في المياه العذبة والمالحة على حدٍ سواء. ولأن مخلفات أحد الكائنات الحية هي غذاء لكائن آخر، غالبًا ما تزدهر الطحالب الدقيقة في مياه الصرف، التي قد تحتاج إلى المعالجة قبل إعادة استخدامها. ويمكن أن تساعد هذه الكائنات في تنقية مياه الصرف، حيث تعمل كعامل معالجة بيولوجي يمكنه إزالة المواد الملوثة أو الضارة من الماء.
المنتجات الثانوية الصناعية مثل أكاسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكربون على نمو الطحالب الدقيقة، ويمكن أن تكون برك مياه الصرف بمثابة مشاتل لكميات هائلة من هذه الكائنات الحية، التي يمكن بدورها أن تساعد في الحد من الانبعاثات الصناعية. وتستخدم الطحالب الدقيقة، داخل هذه المشاتل، النيتروجين كسماد وتستخدم الطاقة المستمدة من ضوء الشمس لاستخلاص ثاني أكسيد الكربون وعزله خلال عملية التمثيل الضوئي، بينما تطلق أيضًا الأكسجين إلى الغلاف الجوي أثناء نموها.
البحث عن أحواض الطحالب
قادتنا البيئة الجغرافية الملائمة في المملكة العربية السعودية وتوفر الموارد لزراعة الطحالب الدقيقة إلى مزيد من البحث في الإمكانات الواعدة التي يمتلكها هذا المورد.وعلى الرغم من أن الطحالب الدقيقة يمكن أن تنمو في أي مكان يوجد فيه الماء وضوء الشمس، إلا أن بعض المواقع أفضل من غيرها لإنتاجها على نطاق صناعي. وتُعد بعض أجزاء المملكة، مثل المنطقة الشرقية، بيئة مناسبة جدًا لزيادة إنتاج الطحالب بشكل خاص لأنها تقدم وفرة من المياه المالحة والدفء وأشعة الشمس معظم أيام السنة.
هناك أيضًا إمكانات كبيرة لزيادة الإنتاج في المنطقة، وذلك بفضل السبخات الضخمة والمسطحات المائية المالحة على طول ساحل الخليج العربي، والتي يمكن تحويلها إلى أحواض للطحالب. وعندما تكون هذه السبخات قريبة من المنشآت الصناعية، بما في ذلك معاملنا في القريّة والقطيف ورأس تنورة، يمكن استخدام انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المستخلصة من مواقع الإنتاج هذه لزيادة إنتاج الطحالب الدقيقة.
تطور جهود أرامكو
أنشأنا في عام 2021م أول مرفق ميداني لاختبار الطحالب الدقيقة في المملكة، حيث كنا نستكشف إمكانات الوقود الحيوي الجديد المشتق من الطحالب، وننظر في الاستخدامات المحتملة الأخرى لكتلتها الحيوية، بما في ذلك أعلاف الحيوانات وأشكال أكثر استدامة من الأسمدة ومكوّنات الخرسانة الصديقة للبيئة.
وأنتج المرفق في العام ذاته أول كمية من الخام الحيوي في أرامكو مستخرجًا من الطحالب الدقيقة، بحيث يمكن خلطه مع الزيوت وأنواع الوقود الأخرى لإنتاج وقود حيوي منخفض الانبعاثات الكربونية، كما يمكن استخدامه كوقود للنقل وفي أنظمة التدفئة وتوليد الطاقة الكهربائية.
ويقول مدير مشروع استكشاف الطحالب الدقيقة في أرامكو، نايف العبد اللطيف: "تُستخدم الدفعة الأولى للاختبارات المتخصصة، لكننا نأمل أن يتم توسيع نطاق العملية وإتقانها لضمان أن يكون الخام الحيوي من الطحالب جزءًا من مزيج الطاقة المستقبلية لدينا".
وقد نتج عن المشروع التجريبي أيضًا اكتشافات أخرى حول هذا المورد القيّم، حيث يدرس العلماء في المرفق الاختلافات في نمو الطحالب الدقيقة عبر سنوات ومواسم مختلفة، وقدرة الأنواع المختلفة منها على عزل ثاني أكسيد الكربون.
يقول أحد كبار المستشارين البيئيين في أرامكو، الدكتور رونالد لوفلاند: "لقد اكتشفنا أنه كلما ارتفعت درجة الحرارة كان ذلك أفضل لنمو الطحالب الدقيقة المحلية التي تتكيّف بشكل أفضل مع مناخ المملكة، وأن إضافة المزيد من ثاني أكسيد الكربون يزيد من سرعة التكاثر. نحن على يقين من أن هذه الاكتشافات ستساعدنا على إنتاج المزيد من المواد الكيميائية التي نحتاجها يوميًا من خلال موارد تتضمن بشكل رئيس ضوء الشمس ومياه الصرف".
ومن موقعه بالقرب من السبخات، يضخ معمل حقن مياه البحر في القريّة التابع لأرامكو المياه في الصخور أسفل الاحتياطيات لتحسين معدّل استخلاص النفط، وبالتالي، فهو قادر على أداء دور مهم في إنتاج هذه الطحالب الدقيقة. وبما أنه أكبر مرفق لحقن مياه البحر من نوعه في العالم، فإنه يُمكّن أرامكو من ضخ مياه البحر إلى عمق الصحراء لإنشاء أحواض جديدة لزراعة الطحالب.
التقدّم بكامل قوتنا
تعكف أرامكو على استكشاف الآلية التي يمكن من خلالها استخدام المنتجات المشتقة من الطحالب في أعمال التنقيب والإنتاج، بما في ذلك الحفر. فعلى سبيل المثال، تستكشف الشركة سُبلًا لتحويل الخام الحيوي الطحلبي إلى سوائل حفر، مثل الطين الزيتي. وفي الوقت نفسه، يمكن للطحالب تحسين الموائل الفريدة الموجودة حول السبخات، فهي مصدر سماد جيد لأشجار المانغروف التي تصطف على طول الخليج العربي وتمتد إلى خطوط العرض المعتدلة، وهي خزانات طبيعية وشاسعة للكربون.
يقول ثامر المطيري المسؤول عن برنامج الطاقة الخضراء في أرامكو، والذي يتضمن أبحاث الشركة المكثفة حول الطحالب الدقيقة: "ليست الطحالب الدقيقة سوى جانب واحد من إستراتيجيتنا للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الحلول الطبيعية، ولا يزال أمامنا الكثير لاكتشافه بشأن الحجم الذي لا يُستهان به للدور الذي يمكن أن تضطلع به الطحالب الدقيقة في التحوّل العالمي في قطاع الطاقة، ومما يثير الاهتمام أن الكائنات الحية ذاتها التي أنتجت مواردنا الهيدروكربونية يمكن أن تعطينا الآن وقودًا منخفض الانبعاثات الكربونية".