لماذا تعتبر المواد اللامعدنية حل القرن الواحد والعشرين لقطاع النفط والغاز

حقبة جديدة لخطوط الأنابيب

بإمكان الحلول القائمة على المواد اللامعدنية أن تفيد قطاع الطاقة في العالم، وأن تنوع مسارات الأعمال وتعزز الاستدامة.

حقبة جديدة لخطوط الأنابيب
منذ لحظة استخراج النفط الخام من باطن الأرض إلى لحظة استهلاكه سواء على صورة وقود أو منتجات بترولية، تتدفق سوائل النفط والغاز عبر سلسلة من خطوط الأنابيب البرية والبحرية التي تربط بين مرافق التكرير والتوزيع. وسواء كانت تلك المواد الهيدروكربونية مستخرجة أو مارة عبر البلاد، فإن هذه الشبكة ـ والتي تعد غاية في التكامل، والمُدعمة بأساليب مبتكرة، وتقنيات حديثةـ قادرة على نقل الطاقة إلى وجهتها بكل أمان وكفاءة واستدامة.

ولهذا أصبح لزامًا على أرامكو باعتبارها مورد الطاقة الأكثر موثوقية في العالم أن تضمن أن شبكتها الممتدة لآلاف الكيلومترات المربعة هي التي تضع المعايير للقطاع. وتتطلب مثل هذه البنية التحتية الحساسة استخدام مواد من شأنها تقليص المشاكل المحتملة كالتآكل والتسريب، وأن تكون أسهل من ناحية الصيانة، وذات تكاليف أقل على المدى الطويل.

وقد قادنا هذا الهدف إلى الشروع في رحلة لابتكار هذه المواد لأجل أن تعود بالنفع على مجال الطاقة العالمي وقطاعات التصنيع، فضلًا عن إنتاج الكيميائيات لتصنيعها من نفطنا. ولكن بعد أن بدأت الأمور تتضح، فإن شبكة النقل بالأنابيب ليست إلا طرف الخيط.

وهذه هي رحلة أرامكو نحو استخدام المواد اللامعدنية.

المسار المنطقي
تُعد المبادرة  باستخدام المواد اللامعدنية بمثابة خطوة منطقية لشركتنا بصفتها شركة متكاملة في مجال الطاقة والكيميائيات. إن دورنا في قطاع النفط والغاز على مستوى العالم، بالإضافة إلى حجم ونطاق شبكة الأنابيب والمرافق التابعة لنا، يدعونا إلى البحث والابتكار لضمان أن هذا العنصر الرئيس في أعمالنا قادر على الصمود أمام الظروف البيئية القاسية والتآكل.

تُصمم خطوط الأنابيب بحيث تكون على درجة عالية من الأمان، إلا أن التآكل نتيجة طبيعية لاستخدام المعادن، وينبغي مراقبته ومعالجته. و لم يطلق عليه لقب "العدو الخفي" من فراغ، فالتآكل يكلف الصناعات عالميًا مليارات الدولارات سنويًا سواءً من ناحية الوقاية أو الصيانة أو الإصلاح. حتى أن بعض المصادر تقدر تكاليف التآكل في قطاع النفط والغاز وحده بأكثر من 60 مليار دولار. كما أن مقاومة عودة المعدن تدريجيًا لحالته الطبيعية أمرٌ غاية في الأهمية وخصوصًا في قطاعنا، إذ أن أي خلل في أحد المكونات لن يترتب عليه التوقف المكلف للعمل فقط، بل ستكون له تبعات بيئية أيضًا.

يتماشى قرار إيجاد مجموعة متقدمة من الحلول البوليمرية لقطاع النفط والقطاعات المترتبة عليه، مع الأهداف الإستراتيجية لأرامكو في تحقيق القيمة القصوى من المواد الهيدروكربونية لتشمل تطبيقات بديلة حديثة، وهو يتماشى أيضًا بلا شك مع تقنياتنا وتوجهاتنا الابتكارية.
ابتكار التميّز التقني
بهدف وضع حلول قابلة للتطبيق الميداني وتلبي المتطلبات الصارمة للمواد اللامعدنية من حيث تحمل درجات الحرارة العالية وتفاوت الضغط، أنشأنا مركز ابتكار المواد اللامعدنية في كامبريدج ، إنجلترا وذلك بالتعاون مع معهد اللحام (تي دبليو أي المحدودة)، والمركز القومي لبحوث السلامة الهيكلية. ويضم المركز شركاء من الأوساط الأكاديمية وشركات النفط والغاز، ومصنعي المواد المركبة وغيرها من الجهات البحثية وذلك لتسريع تطوير المنتجات واختبارها وتسويقها.

ومع أن حاجة القطاع للمواد اللامعدنية في تزايد إلا أن دراساتنا كشفت أن أوجه القصور الفني للمواد المتوفرة حاليًا هي المسؤولة عن بطء انتشارها. ويظهر جليًا أنه بإمكان البدائل المناسبة غير القابلة للتآكل مواجهة درجات الحرارة والضغط، ومشاكل التوافق الكيميائي لتعزيز سلامة إنتاج النفط والغاز وأدائهما البيئي. وبإمكان مركز ابتكار المواد اللامعدنية بوصفه مركزًا للتميز التشغيلي اختبار ودعم المنتجات بالخصائص والمميزات المطورة الملائمة، بالإضافة إلى العمل مع العملاء وفقًا لأولوياتهم التقنية الخاصة بهم. 

استعمال أرامكو للمواد اللامعدنية ليس بالأمر الجديد. نحن نستخدم الأنابيب اللامعدنية في معظم مرافق النفط والغاز لدينا، كما أنها أصبحت الأنابيب القياسية المستخدمة في تطبيقات قطاع المنافع في معاملنا.  

إلا أن استخدامنا لأنابيب اللدائن الحرارية المقواة (RTP) للمرة الأولى على نطاق واسع أثناء عملنا على زيادة الإنتاج الجديدة ضمن مشروعنا الضخم في خريص، كان هو الذي نقل استخدامنا لهذه المواد إلى مستوى متقدم. فقد تم تركيب 400 كيلومتر من خطوط الأنابيب اللامعدنية عوضًا عن خطوط أنابيب الفولاذ الكربوني العادية وذلك بعد اختبارات معملية وميدانية مكثفة، لضمان موافقتها للمعايير الصارمة لأرامكو. وقد أكدت الدراسات أن تكاليف دورة حياة أنابيب اللدائن الحرارية المقواة تصل إلى ثلث تكاليف أنابيب الفولاذ الكربوني، لعدم وجود حاجة لتكاليف مراقبة التآكل. كما أن وقت تركيب خطوط تركيب خطوط أنابيب اللدائن الحرارية من أنابيب اللدائن الحرارية المقواة في خريص كشف عن مفارقة عجيبة إذ استغرق بناؤه أقل من يومين فيما كان مد أنابيب الفولاذ الكربوني يستغرق قياسيًا 70 يومًا. كما أن اختباراتنا أثبتت مزايا السلامة في أنابيب اللدائن الحرارية المقواة، مثل وزنها الأخف الذي سهل عملية نقله وتركيبه، والاستغناء عن بعض المهام كاللحام.
كيمياء المواد اللامعدنية
 وهذه المفارقات ما هي إلا جزء من القصة. إذ أن الإنجاز الحقيقي هو التقنية التي نعمل على تطويرها والتي من شأنها تعميم قطاع المواد اللامعدنية.

إن طموح أرامكو في إحداث ابتكار في النفط نفسه، وذلك بتحويل النفط الخام مباشرة إلى بتروكيميائيات عالية القيمة - وهي عملية تُلغي مرحلة التكرير - ليس إلا جزءًا من إستراتيجيتنا في تبني المواد اللامعدنية. وذلك لأن تقنية تحويل النفط الخام إلى كيميائيات (C2C) يمكنها رفع مستوى كفاءة الشركة في إنتاج كيميائيات تحتاج إليها الشركات لتصنّع بدورها موادَّ أخرى. كما أن دعم تحويل المواد الهيدروكربونية هو الخطوة الأولى في هذا المجال التقني الذي يتصدى لما يطرأ على القطاع من تغيرات ثم يعمل على التعجيل بنشر ما لديه من حلول.
في أرامكو...ليس للعلم حدود
أدى هذا التركيز الإستراتيجي على الحلول القائمة على المواد اللامعدنية إلى توسيع نطاق التشغيل. فلهذه المواد المتطورة مزايا تتعلق بخفض تكلفة دورة الحياة، ومرونة ومتانة أعلى مما يعود بالنفع على قطاعات التعبئة والتغليف، والسيارات، والبناء والإنشاءات، على سبيل المثال لا الحصر. كما حققت ألياف الكربون نجاحًا في العديد من الصناعات. إذ لا يقتصر الأمر على كونها حلت محل الفولاذ في صناعة السيارات فحسب، بل إن تميّزها بدرجة عالية من حيث "نسبة القوة إلى الوزن" يجعلها خيارًا مثاليًا لمختلف التطبيقات كشفرات توربينات الرياح، والأنابيب المصنوعة من مواد مركبة ومستخدمة في آبار النفط في أعماق البحار.

وبسعينا لجعل المملكة العربية السعودية مركزًا للمواد اللامعدنية، فإننا في الوقت نفسه نعمل على تطوير جهود الشركة في المحتوى المحلي والتوافق مع أهداف رؤية المملكة 2030 من حيث التنويع الاقتصادي.

فبينما نبتكر بهدف تحسين الموثوقية والسلامة، والتحكم في التكلفة، وتحقيق التكامل الشامل في مجال المواد اللامعدنية لقطاع النفط والغازـ إلا أننا في الوقت ذاته نكشف عن تطبيقات جديدة لقطاعات أخرى تعود بالنفع على الجميع: ونزيد الطلب على النفط، ونبتكر في استخدام مواردنا لتحقيق منتجات أفضل وأكثر، ونخلق فرصًا تجارية للمصنعين. 

كان هذا باختصار هو الحل القائم على المواد اللامعدنية.
Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge