فرانك جنقرز يرحل عن عمر 97 عامًا

الرئيس الأسبق لمجلس إدارة الشركة وكبير إدارييها التنفيذيين كان شاهدًا على تحوّل أرامكو إلى أكبر الشركات المنتجة للنفط في العالم، ونهض بدور بارز في تطوير السعوديين.

فرانك جنقرز يرحل عن عمر 97 عامًا

تُوفي فرانك جنقرز، الرئيس الأسبق لمجلس إدارة الشركة وكبير إدارييها التنفيذيين، الثلاثاء 10 أكتوبر 2023م، عن عُمر يناهز 97 عامًا.
بدأت مسيرة جنقرز المهنية مع الشركة في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وامتدت نحو 30 عامًا حتى تقاعده في يناير من عام 1978م. وبهذا شهد تحوّل أرامكو الباهر إلى أكبر الشركات المنتجة للنفط في العالم.

وفي معرض تعليقه على نبأ وفاة جنقرز، قال رئيس أرامكو السعودية، وكبير الإداريين التنفيذيين، المهندس أمين حسن الناصر: "خلال أكثر من ثلاثة عقود من الخدمة مع أرامكو، ترك فرانك وراءه أثرًا كبيرًا لم يقتصر في مداه على الشركة وموظفيها، بل ظهر أيضًا في البلد الذي كان يعتبره بمنزلة وطن ثانٍ له".

 

وأردف الناصر قائلًا: "كان فرانك أحد أولئك الأفراد النادرين للغاية، الذين يمتلكون القدرة على التواصل بسهولة مع أي أحد. وقد اجتمعت في شخصيته حدة الذكاء واحترام أخلاقيات العمل والحسم في القرار، إلى جانب تعاطفه مع الناس وضميره الحي؛ مما جعله قائدًا قادرًا على التأثير ومُنغمسًا في التميُّز".

وكان جنقرز قد شغل منصب الرئيس لمجلس إدارة الشركة وكبير إدارييها التنفيذيين من عام 1973م حتى عام 1978م. وأثناء تلك الفترة، كان ضمن الشخصيات الرئيسة المؤثرة في بعض من أهم الأحداث الحسّاسة التي شكّلت أرامكو والمملكة على حد سواء. وقد كان في مركز عملية صُنع القرارات وتنفيذها خلال تلك المراحل الفاصلة، بدءًا من سعي حكومة المملكة إلى الحصول على حصة ملكية في الشركة، وانتهاء بفترة العمل أثناء الحظر النفطي الذي ترتَّب على حرب أكتوبر 1973م بين العرب وإسرائيل.

 

علاوة على ذلك، كان جنقرز على رأس القيادة أثناء إنشاء شبكة الغاز الرئيسة التي تُغذي التصنيع المحلي، وتُحسّن توليد الطاقة الكهربائية في المنطقة الشرقية. كما كان من أشد الداعمين لتطوير القوى العاملة السعودية، فشهد تعيين أول السعوديين في المناصب التنفيذيّة، إلى جانب ظهور الجيل الجديد من المهندسين والجيولوجيين والخبراء السعوديين، الذين تولّوا بعد ذلك بزمن قريب زمام قيادة الشركة نحو مطلع القرن الحادي والعشرين.

وفي هذا الصدد، قال الناصر: "كان لفرانك دورٌ بارز في تطوير وترقِّي السعوديين ضمن القوى العاملة، بما في ذلك تولّيهم مناصب الإدارة التنفيذية والأدوار القيادية. وقد كان أيضًا داعمًا متحمسًا لجهود التدريب والتطوير واستثمار الإمكانات الواعدة للسعوديين، حتى قبل أن يتسنَّم منصب الرئيس، وكبير الإداريين التنفيذيين ورئيس مجلس الإدارة".

وُلد جنقرز في بلدة غلادستون الصغيرة بولاية داكوتا الشمالية في عام 1926م. والتحق بالعمل في الشركة في سبتمبر 1947م، بعد أن أنهى خدمته في البحرية الأمريكية في الأيام الأخيرة للحرب العالمية الثانية، وبعد حصوله على درجة البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من جامعة واشنطن بولاية سياتل في أغسطس 1947م. وكان أول منصب شغله في أرامكو هو منصب المهندس المساعد في مكتب الشركة في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية. ثمَّ انتقل لاحقًا إلى المملكة العربية السعودية في نوفمبر 1949م.

شابٌّ أرامكَوي

وعندما بلغ من العمر 23 عامًا، عُيّن في منصب مهندس التصاميم والمشاريع للمصفاة والفرضة والمرافق الصناعية في رأس تنورة. وقد التحق بالعمل في الشركة في وقت كانت فيه تحثُّ خطاها فواصل مسيرته في ركبها. قضى جنقرز 17 عامًا في رأس تنورة، وكان شاهدًا على تطور المصفاة والفرضة والحي السكني هناك. وفي ذلك الوقت، ارتفعت الطاقة الإنتاجية للمصفاة، فقفزت الكميات المكرَّرة من 129,000 إلى ما يقارب 218,000 برميل في اليوم.
تولَّى جنقرز مناصب متعاقبة في الشركة، مثل ناظر الصيانة والورش في رأس تنورة والظهران، ولاحقًا الناظر العام لإدارة الخدمات الهندسية والميكانيكية، واستطاع من خلالها أن يحقّق سمعة طيبة كرجل يُدرك جيدًا أن القوى العاملة السعودية هي أساس نجاح الشركة مستقبلًا.
 

القافلة تسير 

خلال السنوات التي أعقبت ذلك، اعتاد جنقرز العودة بانتظام إلى زيارة المملكة رفقة زوجته جولي. وفي سيرة ذاتية صدرت له في عام 2013م، تحت عنوان "القافلة تسير"، كتب جنقرز عن إحدى آخر الزيارات التي قام بها إلى الظهران، فذكر أن إعداد الشباب السعودي لمواجهة تحدّيات المستقبل "هو جوهر ما يتطلبه الوقت الحاضر. وعلى الرغم من الفروقات بين الأجيال، إلا أن هذا الأمر هو بمنزلة رجع الصدى للجهود التي بذلناها في الأيام المبكرة لأرامكو؛ لبناء قوى عاملة سعودية قادرة على مواجهة تحديات إدارة شركة بترول عالمية المستوى. وقد أصبح الشباب من السعوديين في تلك الحقبة هم قادة أرامكو السعودية اليوم، ومن الواضح أنهم كانوا أهلًا للتحدي".

ارتقى فرانك جنقرز السلم الوظيفي بثبات إلى أن بلغ أعلى مراتبه التنفيذية في عام 1973م، حين تولّى منصب رئيس مجلس إدارة الشركة وكبير إدارييها التنفيذيين، قبل أن يتقاعد عن هذا المنصب في الأول من يناير من عام 1978م.
سيُذكر جنقرز ليس فحسب لما واجهه من تحديات أثناء رئاسته للشركة، بل للإنجازات التي تحققت أثناء تلك الفترة. ومن بين المهام الأولى التي واجهها جنقرز، بعد توليه منصب كبير الإدارييين التنفيذيين في 1973م، هي التصدي للتغطية الإعلامية السلبية في أعقاب حظر النفط الذي فرضته منظمة أوبك بعد الحرب بين العرب وإسرائيل. ولأول مرة في تاريخها، تحوّلت أرامكو عن دورها التقليدي الذي يُؤثر العمل في الظلّ إلى شركة مبادرة وقادرة على توعية العالم بأهمية النفط العربي للمجتمع الحديث.

 

إضافة إلى ذلك، كان جنقرز منخرطًا بعمق في المناقشات مع المسؤولين الحكوميين بشأن المشاركة السعودية في أرامكو، والتي انتهت في نهاية المطاف بنقل ملكيتها. وفي عام 1973م، اشترت الحكومة السعودية حصة بنسبة 25% من حقوق الشركة في امتياز النفط الخام، وارتفعت هذه النسبة إلى 60% في عام 1974م. وفي العام 1980م، أصبحت الشركة مملوكة بالكامل للحكومة السعودية.

ولعلّ الإنجاز الأهم الذي كان جنقرز يفخر به هو دعمه وتأييده لتدريب القوة العاملة السعودية وتطويرها، بدءًا من التدريب الفني للمشغلين الواعدين، ووصولًا إلى التعليم عالمي المستوى للمهندسين والجيولوجيين والعلماء قبل التحاقهم بالجامعة.

وعندما تقاعد جنقرز في عام 1978م، قال الأستاذ صالح قبقب النجراني، الذي ترأس في وقت سابق وحدة العمال تحت إدارة جنقرز في صيانة الظهران، مُثنيًا على الأسلوب الإداري للراحل: "إنه يجيد التعامل مع الناس ويجيد التحدث إليهم. كنت أرجو أن يكون لدينا المزيد من الأشخاص على شاكلته".

 

شرح الصورة أعلى الصفحة: جنقرز في مكتبه عام 1973م.

Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge