في إحدى المنارات الصناعية العالمية الرائدة
معمل خريص: طاقة مضاعفة من الشباب الذي يلعب دورًا حيويًا في إدارة الإنتاج بالمعرفة والتقنية والحماس
يتطلّب العمل في المناطق النائية صلابة وعزيمة من نوع خاص، وهذا هو حال موظفي إدارة الإنتاج في خريص، رجال أشدّاء يؤدون واجباتهم بمنتهى المهنية والموثوقية، جباههم سمراء من وهج الشمس وسواعدهم قوية، وروحهم فتية، وسقف طموحاتهم السماء.
يعشقون وطنهم ويسهمون في رفعته ليظل على خارطة العالم: الدولة المحورية التي تمدّ العالم بالطاقة، فلا يضرّهم أنهم يعملون على مدار الساعة بلا كلل أو تهاون.
ذلّلت أرامكو السعودية كل العقبات، وهيأت كل الأسباب للوصول إلى هذه المرتبة العالمية والموثوقية العالية بين شركات إنتاج النفط على مدى عقود طويلة. وما كان هذا ليكون لولا جهود موظفي أرامكو السعودية الذين لا تنثني إرادتهم، وعزيمتهم الصلبة كجبل «طويق». أثبت الشاب السعودي جلده وقدرته على العمل في كل الظروف والمواقع، وأداء مختلف المهمات الميدانية وغيرها.
لا مكان للمستحيل في تاريخ أرامكو السعودية القادرة على تذليل كل العقبات لتجعل من أماكن عملها مجتمعًا متآلفًا يعمل بظروف سلامة وأمن ورفاهٍ منقطعة النظير لتطلق العنان لطاقات الموظفين للعمل والمثابرة والإبداع في مناطق أعمالها كافة.
وفي خريص تتربّع المنشآت وسط محيط من الرمال الممتدة كأنها غابة من الأنابيب المتشابكة بكثافة وسط صحراء دبّت فيها الحياة وتواصل فيها هدير المعامل على مدار الساعة. فالذي يلج البوابة الرئيسة لإدارة الإنتاج في خريص يرى كل تلك العظمة بأم عينه واقعًا مُعاشًا.
ينهض الموظفون الذين يوقظون الشمس قبل شروقها، مبكرين ليكونوا على ثغورهم ولكلّ دوره في الإنتاج، لتدور هذه العجلة التي تسهم في اقتصاد المملكة. ساعات العمل طويلة لكن الأمنيات كبيرة وتتطلب عزيمة من نوع خاص ورجالًا بمواصفات خاصة لأن مهماتهم المنوطة بهم هي خاصة أيضًا.
لكنك إذا عدت من هناك، وبعد التعب، ستجد حياة مختلفة تمامًا مليئة بالرفاهية والصحة، وستمضي وقتًا ممتعًا في صالة الطعام مع جميع أفراد أسرة خريص الكبيرة من الفنيين والمهندسين والإدارة على مائدة واحدة كبيرة. وسيتبقى وقتٌ كافٍ لتمارس فيه هواياتك المفضلة في الصالات والملاعب و«الديوانيات».
وحول ذلك، قال مدير إدارة الإنتاج في خريص، الأستاذ صلاح الجعيدان: «يمكن وصف كثير من الأشياء في أرامكو السعودية بالضخامة، مثل حجم الشركة ومشاريعها، وعقود من الموثوقية والخبرة، ولكن أكبر مكونات أرامكو السعودية هم موظفوها وطاقاتهم وعزمهم منقطع النظير.» وأضاف قائلًا: «نحن في خريص، كباقي مناطق أعمال أرامكو السعودية في المناطق النائية، نحتاج طاقة مضاعفة من الشباب الذي يلعب دورًا حيويًا في إدارة الإنتاج في خريص، فالشباب لديهم الحماس والطموح والمعرفة التقنية والتفكير الإبداعي الذي تحتاجه خريص على الدوام. تُقدّم أرامكو السعودية لهؤلاء الشباب كلّ برامج التدريب والتأهيل والتطوير المناسبة لصقل هذا الحماس بالمعرفة والخبرات التقنية الحديثة، ليسهموا في تعزيز كفاءة الإنتاج، ورفد كوادر أرامكو السعودية وتحقيق أهداف الشركة بطرق مبتكرة وفاعلة. ولهذه الروح والإرادة الحديدية، كانت خريص من قائمة «المنارات الصناعية» العالمية المعترف بها من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي.»
يوم مع منسق الطاقة
توجّهنا صباحًا من مدينة الظهران إلى خريص عبر طريق الرياض السريع تصاحبنا الرمال الذهبية على جانبي الطريق على طول المسافة. شاهدت المسافرين من محبّي الصحراء يركنون مركباتهم على جانب الطريق لالتقاط الصور، فهذا الجمال لا يعوض وبالأخص فترة الصباح. ربّما سيجلسون قليلًا ليتسنى لهم الإفطار والاستمتاع بهذه الرمال الساحرة، وقضاء أوقات سعيدة وخصوصًا في الأجواء المعتدلة عند الشروق.
لكن مهلًا! فالعمل فوق هذه الرمال وتحت شمسها بعيدًا عن الناس والمدن يتطلب رجالًا أشدّاء قد يحبّون سكينة الصحراء، كجزء من محبتهم لوطنهم.
رافقت القافلة الأسبوعية الموظف الشاب عبدالله الزهراني في يوم عمل في إدارة الإنتاج في خريص لإلقاء الضوء على نموذج شاب سعودي شقّ طريقه في الشركة منذ العام 2019م، وحدّثنا عن عمله وحياته في إدارة الإنتاج في خريص.
تخرّج الزهراني في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن عام 2018م، بمرتبة الشرف في الهندسة الكيميائية ثم انضم إلى عائلة أرامكو السعودية في خريص على برنامج التدرج الوظيفي، وتنقل في عدة أقسام حتى استقر به الحال منسقًا للطاقة في إدارة الإنتاج في خريص بعد حصوله على عدة شهادات إدارية واحترافية في مجال الطاقة والاستدامة، فقال عن عمله: «إن منسق الطاقة في إدارة الإنتاج في خريص لديه دور مهم في ضمان توفر واستدامة إمدادات الطاقة وتحسين كفاءة استخدامها في منشآت الإنتاج.» وأضاف قائلًا: «يتعين على منسق الطاقة في إدارة الإنتاج في خريص تحديد احتياجات الطاقة للمنشآت المختلفة، وتطوير خطط استخدام الطاقة المستدامة، وتحليل البيانات المتعلقة بالاستهلاك والإنتاج والتوزيع، ويقوم بإعداد جداول زمنية للتشغيل الأمثل.»
برنامج عمل يومي حافل
يبدأ العمل في السادسة صباحًا باستلام التقارير وتحليلها، ثمّ يقوم الزهراني بمراقبة استهلاك الطاقة في المنشآت الإنتاجية وتحليل البيانات المتعلقة بها، إذ يتبع الأنماط والاتجاهات ويحلل البيانات الإحصائية لتحديد الفرص لتحسين كفاءة استخدام الطاقة وتقديم توصيات للتحسين.
ويعمل منسق الطاقة على تطوير وتنفيذ إستراتيجيات وإجراءات لتحسين كفاءة الطاقة في المنشآت الإنتاجية. ويمكن أن يشمل ذلك رفع كفاءة الأعمال وترشيد الاستهلاك وتبني تقنيات جديدة للمحافظة على الطاقة.
كما يعمل منسق الطاقة كوسيط بين أقسام مختلفة داخل إدارة الإنتاج في خريص، ويتعاون مع فرق الهندسة والصيانة والإنتاج لتحقيق أهداف كفاءة الطاقة والاستدامة. كما يتواصل مع الموردين الخارجيين والشركات المتخصصة للاستفادة من أفضل التقنيات والممارسات في مجال الطاقة، بالإضافة إلى مقارنة البيانات في المنشأة مع البيانات العالمية والعمل على وصولها إلى الحد العالمي المقبول.
ويقوم الزهراني بتقييم تكاليف وفوائد تحسين كفاءة الطاقة واعتماد تقنيات جديدة، ويقدّم توصيات للاستثمار في مشاريع توفير الطاقة وتحسين الكفاءة.
التدريب والتوعية
ويقوم منسق الطاقة، عبدالله الزهراني بتدريب وتوعية الموظفين بشأن أفضل الممارسات في استخدام الطاقة وتحسين الكفاءة. كما يشارك في ورش العمل والدورات التدريبية، ويوفر المعلومات والإرشادات لتعزيز الوعي وتبني سلوكيات مستدامة في استخدام الطاقة.
كما يُعدّ تقارير دورية توضح استهلاك الطاقة، وتقييم أداء الإنتاج من حيث كفاءة الطاقة. ويستخدم هذه التقارير لتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين وتطوير الخطط المستقبلية لتحقيق أهداف الكفاءة والاستدامة.
وحول ذلك قال الزهراني إن طبيعة عمله تسعى لضمان تحسين كفاءة استخدام الطاقة وتنسيق النشاطات المتعلقة بالطاقة في المنشآت الإنتاجية، مما يسهم في تحقيق الاستدامة البيئية وتقليل التكاليف، حيث يقوم بمراقبة وتحليل استهلاك الطاقة في منطقة شاسعة تشمل إدارة الإنتاج في خريص والمعامل التابعة لها، وتقديم توصيات لتحسين كفاءة الطاقة، ويعمل على تنفيذ إستراتيجيات تحسين الكفاءة وتطبيق الممارسات المثلى. ويلعب دورًا مهمًا في تحقيق الاستدامة البيئية وتقليل البصمة الكربونية لأعمال الإنتاج والإسهام في حماية البيئة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
حياة اجتماعية مؤنسة خارج العمل
تلتقي أسرة إدارة الإنتاج في خريص بعد الساعة السادسة مساءً في الملاعب وصالات الطعام والديوانيات ومركز اللياقة البدنية، فلا تسمع حينها سوى الضحكات التي تعبّر عن سعادتهم بالأخوّة الصادقة، وراحتهم بعد التعب.
وعن حياته الشخصية في خريص، وبعد ساعات العمل، حدثنا الزهراني قائلًا: «تعودت أن أستيقظ مبكرًا وأبدأ يومي من أول النهار، وأتنفس نسيم الصباح الهادئ في خريص قبل الذهاب إلى المكتب ومزاولة أعمالي التي ستأخذ النهار كاملًا.»
وواصل حديثه بقوله: «الحياة الليلية في مجتمع خريص تعيد ضبط كل شيء، وأعود بكامل حيويتي ونشاطي فأمارس حياتي الخاصة بسعادة، وأهتم بصحتي البدنية والنفسية على حدّ سواء، فأذهب إلى مركز اللياقة وأقابل الأصدقاء فنهرول ونرفع الحديد ونتجاذب أطراف الحديث. ثم أمارس رياضتي المفضلة وهي «البادل» وينافسني فيها زملائي من جنسيات مختلفة، ولا أكون الرابح على الدوام باللعبة، لكنني أكسب دائمًا توسعة دائرة أصدقائي. نضحك ونستمتع ونشدّ أزر بعضنا، وهذا لصالحنا أولًا ثم لصالح العمل، لأن الذين يستطيعون أن يلعبوا سويًا، لا شك أنهم قادرون على أن يعملوا بانسجام سويًا أيضًا.»
ضحكات الديوانية
ولطبيعة الشباب السعوديين الودودة، أجد لنفسي وأصدقائي من مختلف مناطق المملكة فسحة أخرى من الوقت للعب الورق (البالوت) ومشاهدة مباريات الدوري السعودي والأوروبي في الديوانية. نتحدّى بعضنا بعضًا، دون التعصّب لنوادينا، ونضحك كثيرًا ونلعب كثيرًا، وأحيانًا، نتناول عشاءنا فيها، فتكون الديوانية ومجالسة الأصدقاء هي «اللمة» العائلية الأخيرة قبل الخلود إلى النوم والاستعداد ليوم جديد. وأضاف قائلًا: «أشعر أنني أعود لنفسي وطبيعتي عندما أرتدي ثوبي الأبيض وأجلس على طاولة لعب «البالوت» أنتشي جدًا بتعليقات وتحدّيات وهفوات الأصدقاء.»
مستقبل واعد لهذا الجيل
وقال الزهراني: «قد تبدو للبعيدين الذين ينظرون إلى العمل في منشأة نفطية وسط محيط من الرمال حياة قاسية، لكنها غير ذلك تمامًا، فأنا سعيد هنا وأحب عملي وحياتي في خريص بكل تفاصيلها.»
لا يزال في جعبة الزهراني الكثير من الطموح والأهداف التي يريد تحقيقها فهو الآن على مقاعد دراسة الماجستير في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، فقال في ذلك: «كثيرة هي الأهداف التي أسعى إلى تحقيقها، وأريد تعزيز هذه الخبرات الميدانية بدراسة أكاديمية تضيف إلى هذه الخبرات الميدانية.»
بقي أن نقول: يعد الزهراني كباقي أفراد إدارة الإنتاج في خريص من الشباب السعوديين الذين نفخر بهم، تملؤهم الطاقة للعمل وتمام الالتزام، فهم مخلصون يحبون أسرهم الصغيرة والكبيرة ويحبون وطنهم بكل ذرة من ترابها.