إضاءة

شبابنا والعربية

شبابنا والعربية

في استطلاع للرأي أجراه أحد الباحثين الأجانب تبين أن 80% من الشباب العربي يعتبرون لغتهم مكونًا أساسًا لهويتهم الوطنية، غير أن هذه النسبة لا تعكس الواقع إطلاقا، إذ أظهر الاستطلاع أن 60% من هؤلاء الشباب اعتبروا أن لغتهم العربية فقدت قيمتها لديهم!

إضافة إلى ذلك كشف الاستطلاع عن التصاعد في استخدام اللغات الأجنبية بصورة يومية، إذ بلغت النسبة 36% في عام 2015م، ثم ارتفعت لتصل إلى 46% عام 2016م، ثم بلغت 54% عام 2017م!!

بل إن الدول الخليجية التي كانت تعتمد على اللغة العربية فقط لم تعد نسبة معتبرة من شبابها تلتزم بذلك، فقد تبين أن أكثر من 68% من الشباب الخليجي بات يعتمد على اللغة الإنجليزية بصورة يومية.

لا يمكن لأحد أن ينكر حجم الصعوبات والتحديات التي تواجه الشباب العربي في لغته وثقافته وهويته وعقيدته، وذلك من خلال عدد من المنافذ أهمها المنفذ التقني الذي باتت المعلومات الموجهة إليه تتدفق بصورة هائلة، إذ أسهمت وسائل التواصل الحديثة في تسهيل عملية هذا التدفق وتسريعه وعرضه بشكل مغر وجاذب سعيًا إلى قوة التأثير والإقناع، دون أدنى اهتمام بالمضمون الخلقي واللغوي والقيمي، هذا بالإضافة إلى فقر نسبة ملحوظة من هؤلاء الشباب لغويًا ومعرفيًا؛ مما يجعلهم لقمة سائغة أمام اللسانيات الأجنبية، وفريسة سهلة للعولمة والثورة المعلوماتية.

وفي ظل هذه الحقائق يحضر السؤال المهم: لماذا بدأ تيار من الشباب العربي يعزف عن استخدام اللغة العربية؟

إن معرفة إجابة هذا السؤال ربما تساعدنا في الاقتراب من تصور هذه الإشكالية بوضوح، ومن ثم القدرة على معالجتها ووضع الحلول لها.

أولًا: يجب أن نستحضر أننا نعيش في عصرٍ بلغ الذروة في التطور الرقمي والتكنولوجي، وإذا كان الشباب يعيش في هذا العالم بكل تفاصيله يوميًا، فمن البديهي ألا يكون للغة العربية ذلك الاهتمام الكبير لديهم؛ لأنَّ هذه المجالات لم تكتب باللغة العربية التي لم تحظ في العصر الحالي بزخم كبير من حركة الترجمة لتدوين ونقل بعض هذه العلوم الحديثة. حتى الآن عن تدوين بعض العلوم الحديثة.

ثم تأتي قضية الانفتاح الهائل على كل ما هو غربي، مما أحدث اختلافات جذرية بين الجيل الحالي والأجيال السابقة، جيل الشباب الذي بات يملك وجهات نظر وقناعات وشخصيات تختلف شكلًا ومضمونًا ولسانًا، مما جعل قطاعًا منه ينفصل بصورة كبيرة عن مجتمعه العربي، ومن أبرز ملامح هذا الانفصال التي يدركها الكثيرون هي اللغة التي يتحدث بها.

ثم إننا ينبغي أن نعي تمامًا أن لغة الأكثر نفوذًا وسيطرة على العالم هي المهيمنة، شئنا أو أبينا، وهذا ما يدعو الكثير من الشباب إلى اعتقاد أنه ليس بحاجة إلى اللغة العربية ما لم يفكر أن يكون متخصصًا فيها، إذ يكفيه أن يتحدث بلهجته المحلية، وإذا كان الأمر كذلك فمن الطبيعي أن يتجه كثير منهم إلى تعلم اللغات القوية حتى يتمكن الواحد منهم من العيش أو زيارة أي مكان في هذا العالم الفسيح.

ومن الأسباب أيضًا، عدم اهتمام الشباب بالقراءة بدعوى الانشغال، مقتصرين على ما تمت قراءته في مناهجهم التعليمية. كما أن للتربية العائلية أثرٌ مهمٌ في التنشئة على محبة اللغة وتعزيز الانتماء إليها، إضافة إلى طريقة تدريسها وتقديمها إلى النشء في المناهج الدراسية.

وهكذا تتعدد الأسباب والعوامل التي تسهم في اتساع المسافة بين اللغة العربية والشباب، مما يحتم علينا استشعار المسؤولية تجاه هذه الإشكالية، والوقوف عندها وقوفًا جادًا، بعيدًا عن المؤتمرات والتوصيات النظرية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

 

دلال القحطاني، إدارة محتوى وقنوات الاتصال.
يرحب أرامكو لايف بمشاركة الموظفين في الكتابة لزاوية إضاءة، وذلك لتعميم الفائدة من خلال ما يطرح فيها من أفكار متنوعة تعبّر عن آراء كتّابها.  cw@exchange.aramco.com.sa

 

 

 

Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge