بين المجد والعلياء، يُرفرف الخفاق الأخضر هناك في القمة، حاملًا نورَه المُسطَّر ومُعلنًا عن حضور بلادنا في كل المحافل والأوقات، بينما تصدح الأصوات باسم الوطن، «موطني»، الذي هو فخر المسلمين.. تلك الأحرف والكلمات التي لطالما تغنينا بها وحفظناها عن ظهر قلب منذ الصغر، حين كانت الحناجر تصدح بها في ساحات المدارس كل صباح، بصوت يصل صداه إلى كل المجاورين: «عاش الملك.. للعلم والوطن».
تلك المقاطع الأربعة، التي يرفُ القلبُ لها عند سماعها، وتخلق شعورًا بالفخر والاعتزاز يملأ نفس كل مواطن ومواطنة، لها قصة قد تغيب عن أذهان البعض، فهل فكرت يومًا أن تتساءل عن قصة هذا النشيد الذي نتغنى به في كل محفل؟ من ألّفه ومن لحنه؟ ومتى اعتُمد نشيدًا وطنيًّا سعوديًّا؟
البداية: تساؤل
في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، زار جلالته جمهورية مصر العربية. وأثناء مراسم الاستقبال الذي حظي به من رئيس مصر آنذاك، محمد أنور السادات، أُعجِب الملك بالنشيد الوطني المصري، فتناقش حينها مع وزير الإعلام السعودي آنذاك، الدكتور محمد عبده يماني، الذي كان مرافقًا لجلالته في زيارته، عن سبب عدم وجود نشيد وطني يقترن بالسلام الملكي السعودي.
في ذلك الوقت، قام وزير الإعلام، الدكتور يماني، بمخاطبة الشعراء المهمين في المملكة من أجل كتابة نشيد وطني يتوافق مع السلام الملكي السعودي، ولكن الملك خالد بن عبدالعزيز انتقل إلى رحمة الله في ذلك العام؛ مما تسبب في تأخير تنفيذ هذه الخطوة.
ولمَّا جاء عهد الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، أمر باستكمال العمل ومتابعة تنفيذ الفكرة التي طُرحت في عهد أخيه الملك خالد. حينها، اقترح الأمير عبدالله الفيصل أن يُكلَّف الشاعر السعودي، إبراهيم خفاجي، بتلك المهمة؛ إيمانًا منه بمقدرة خفاجي البارعة على ذلك.
نشيدٌ في ستة أشهر
لدى علمه برغبة القيادة بتشريفه بهذه المهمة الوطنية، استشعر خفاجي المسؤولية الكبيرة المُلقاة على عاتقه، من أجل تقديم نشيد وطني سعودي يتوافق مع الشروط والضوابط التي وضعها الملك فهد. كان أول تلك الشروط: أن يكون نشيدًا خاليًا من اسم الملك؛ لكي لا يرتبط بعهد محدد. وثانيًا: ألا تخرج كلماته عن الدين، وأن يرتبط بعاداتنا وتقاليدنا السعودية.
استمر خفاجي في العمل مدة ستة أشهر، ليخرج لنا بالكلمات التي تمثِّل اليوم نشيدنا الوطني السعودي، وقد تسلَّمها منه الموسيقار السعودي سراج عمر العمودي، الذي قام بتوزيعه على موسيقى السلام الملكي السعودي، التي لحنها الموسيقار طارق عبدالحكيم..
في تلك الفترة، كان الأستاذ علي الشاعر قد تقلَّد منصب وزير الإعلام السعودي، من بعد الدكتور يماني، فتسلَّم النشيد الوطني السعودي في حلته النهائية وقدَّمه للملك فهد، وقد حاز على إعجاب جلالته، فأمر بتوزيعه على جميع سفارات المملكة.
يوم الميلاد
يأتي العيد كل عام حاملًا عديدًا من البشائر والأفراح، وهكذا جاء عيد الفطر المبارك للعام 1404ه حاملًا في أول أيامه (عيدية وطنية) من القيادة إلى كل السعوديين. يومها، سمع السعوديون والعالم أجمع لأول مرة كلمات النشيد الوطني، في افتتاحية واختتام بث الإذاعة والتلفزيون السعودي، ليُسجَّل في ذلك اليوم تاريخ ميلاد نشيدنا الوطني، 1 شوال 1404ه (29 يونيو 1984م).
وبحسب المصادر التاريخية، كان هناك نشيد وطني يعود تاريخه إلى العام 1958م، وكان معترفًا به حتى منتصف الثمانينيات، ولكنه لم يكن إلزاميًّا في المدارس الحكومية كما هو الحال مع النشيد الوطني الحالي.