سمعتُ لأول مرة عن حرة خيبر عندما قرأتُ تقريرًا عن اكتشاف المستطيلات الحجرية في شمال غرب المملكة العربية السعودية.
وحرة خيبر عبارة عن حقل بركاني يقع على بعد ما يقرب من 150 كيلومترًا من المدينة المنورة، ويعني المصطلح حرفيًّا "حقول خيبر البركانية"، وقد سُميت بذلك بسبب قربها من مدينة خيبر.
ويغطي الحقل مساحة تبلغ نحو 14 ألف كيلومتر مربعة، وقد تشكّل نتيجة انفجارات بركانية بطول 100 كيلومتر خلال خمسة ملايين عامًا مضت، ويشمل الحقل كلًّا من البراكين السوداء والبيضاء.
ووقع آخر ثوران بركاني لهذه الحقول في عصر ما بعد ظهور الإسلام، في القرن السابع تقريبًا.
كانت زيارة هذا المكان أمرًا لا بد منه بالطبع، وقد قادني البحث إلى شركة رحلات مقرها الرياض.
وعلى الرغم من أنهم لا ينظمون أي رحلات إلى حرة خيبر، إلا أنهم جعلوني أتواصل مع مرشد سياحي من محافظة الحائط (وهي على مقربة من المدينة المنورة) كان يعرف المنطقة جيدًا.
وصلتُ إلى المدينة المنورة صباح يوم الجمعة وقابلت مرشدي السياحي المحلي مناور بعد صلاة الجمعة لبدء رحلتنا.
وبعد أن ابتعت بعض الاحتياجات الأساس من السوق، اتجهنا إلى الحقول بسيارة مناور القوية من نوع لاند كروزر 70.
واستغرقت الرحلة من محافظة الحائط إلى المنطقة ما يزيد عن ساعة، وكانت الطرق معبدة من بداية الطريق وصولًا إلى الحقول.
ولكن الدخول إلى منطقة الحقول، تطلب القيادة خارج الطرق المعبدة على طرق مرصوفة بالحصى البركاني داكن اللون.
وبمجرد دخولنا الحقول، لفت أنظارنا شيئ غريب في السماء، تجلى فوق جبل القدر، الذي كان يبعد عنا مسافة كبيرة، وإذا به شعاع مستدير على شكل حلقة ملونة بألوان الطيف تشكّلت وأحاطت بالشمس.
كنا نشهد بذلك ظاهرة هالة الشمس، وهي ظاهرة بصرية نادرة سببها مرور الضوء عبر البلورات العالقة في السحب، وكانت تلك هي المرة الأول التي نشهد فيها هذه الظاهرة في حياتنا.
ولعلَّ أكثر المشاهد التي تأسر الألباب في حرة خيبر هو تباين ألوان الأراضي والبراكين.
وقد حوّل تدفق الحمم البازلتية الداكنة لون الحقل والبركان إلى اللون الأسود.
وبالرغم من أن جبل القدر وجبل العاقر وغيرها من الجبال الكثيرة جميعها براكين سوداء اللون، إلا أن حرة خيبر تُعد موطنًا للبراكين البيضاء الفريدة والنادرة أيضًا.
وتتكون البراكين البيضاء من صهارة البراكين الغنية بالسيليكا، التي تشكل الصخر الناري المعروف باسم "كومندايت"، وهو أحد أنواع صخر الريوليت.
وهذا الشكل من الصخور النارية البيضاء نادر للغاية. وأنتجت هذه البراكين البيضاء، إضافة إلى صخر الكومندايت، حجر السبج أو "أوبسيديان"، وهو زجاج بركاني لونه رمادي داكن. وقد حظي حجر السبج باهتمام الناس في العصر الحجري ( 10 آلاف إلى 4500 سنة قبل الميلاد)، الذين كانوا ينقّبون عنه من أجل تصنيع الأدوات.
وقد اشتهر بركانان أبيضان في حرة خيبر هما: الجبل الأبيض، وهو أعلى البراكين ارتفاعًا في حرة خيبر، حيث يبلغ ارتفاعه 2093 مترًا، وجبل البيضاء، ويتميز بأكبر فوهة بركانية، حيث يبلغ قطرها 1500 متر.
ويمكن الوصول إلى حافة فوهة جبل البيضاء بالسيارة عند توفر سيارة رياضية متعددة الأغراض (SUV) قوية وسائق ماهر.
ويُعد الطريق إلى أعلى الجبل شديد الانحدار، إذ تكسوه حصى متراخية. ومن حافة الجبل الواسعة والرفيعة، يمكنك مشاهدة مخروط الرماد البركاني داخل الفوهة نفسها، إلى جانب المشهد المتباين الأخّاذ للحقل كاملًا.
ومن على حافة هذا البركان الأبيض، يمكننا أن نرى خلف فوهته الضخمة جبل العاقر، وهو بركان أسود اللون. ولن نجد مثل هذا التنوع الجيولوجي في أي من بقاع العالم.
وبانتهاء رحلتنا إلى جبل البيضاء، شارفت الشمس على آخر لحظات الغروب، فقررنا حينها العودة. كانت رحلتنا تجربة أعجب من الخيال، إذ تُشعرك الطبيعة الجيولوجية الفريدة لحرة خيبر، بما تحتوي عليه من مواد خام وكأنك على سطح كوكب آخر.
