إضاءة

أوقاتنا في رمضان .. من الغالب ومن المغلوب؟

 أوقاتنا في رمضان .. من الغالب ومن المغلوب؟

قليلون هم من نجحوا في ضبط إيقاع حياتهم اليومية في شهر رمضان بما يحقق أفضل الأثر وسط انقلاب أوقات عام يشمل الأسواق ومواعيد الدوام الرسمية للمدارس والمصالح الحكومية والأهلية في كل البلدان العربية.

هناك من يحاولون التوفيق بين نشاطاتهم المعتادة وزلزال التغيير المفاجئ الذي هز الجدول الزمني اليومي للحياة من حولهم. ينجح منهم من استطاع فعل ذلك خلال الأيام الخمسة الأولى من عمر هذا الشهر الكريم.

والباقي منهم ينساقون لجدول الظروف والمتاح من الوقت حسب التساهيل.

يكافح جيل الشباب للحاق بإيقاع الحياة المسائي حتى آخر ساعة من الليل، تاركين النوم لغير جيلهم من الكبار ومن أصغر الصغار، ويكافحون بالمقابل للحاق في الصباح -دون أخذ الكفاية من النوم- بالتزاماتهم الدراسية والوظيفية حتى آخر ساعة من طاقاتهم، ثم ينهار الجميع قبيل المغرب من هذا الجدول اليومي المضني.

يذكر بعض كبار السن أن مسألة تغير الأوقات المسائية في رمضان لم تُعرف إلا بعد دخول مهرجان قنوات التلفزيون على الخط، حيث بدأت تلك القنوات تحشد برامجها، خاصة منذ بداية فترة السبعينيات الميلادية، مع دخول شهر رمضان، لتجعل الجميع يتسمرون ويسمرون أمام الشاشات لمتابعة المسلسلات والمسابقات والفوازير وبث صلاة التراويح من الحرمين الشريفين، وإلا فإن الحياة كانت قبل ذلك تسير بشكل اعتيادي دون أي تغيير في مواعيد الدوام سوى تقليل ساعات العمل النهاري عند بعض الجهات تخفيفًا على الصائمين.

وتبعًا للتلفاز، تحركت المطاعم فتحركت الأسواق وسهرت كما يسهرون بحثًا عن متسوق هنا ومتسوقة هناك.

يحبُّ بعض التجار شهر رمضان أكثر من غيرهم من الباحثين عن كسب القوت، فوقت العمل لدى عامليهم يتحرك بأريحية دون قيود مع حركة ومزاج حركة المتسوقين الذين يفضلون السهر طوال الليل إلى ما بعد الفجر، في حين قد لا يغير التاجر جدول أوقاته اليومي. ينام مبكرًا ويستيقظ مبكرًا وكأن عاصفة الوقت لم تعصف بيومه قط.

ينعم بالوقت في رمضان أكثر من غيرهم بعض الشعوب المسلمة ممن أمسوا في منأى عن تغير إيقاع الحياة المسائية اليومية فيه. فرمضان لم يطلب من الناس كي يصوموا نهاره - دون تعب أو نَصَب أو جوع أو عطش- تغيير فطرتهم التي فطرهم الله عليها، بل هو تناغم فطري كامل ينظم روتين غذاء الإنسان ونومه واستيقاظه، وساعات راحته ونشاطه.

يعلمنا رمضان الانضباط في حبس النفس عن الطعام والشراب لأجل الإحساس بمن ليس لديهم طعام أو شراب، ويعلمنا الانضباط في حبس الجوارح عما لا يصح منها، ويعلمنا الانضباط في تدريب النفس على الطاعة والعبادة، ويعلمنا كذلك الانضباط في الأوقات من أجل نجاح عملية الانضباط في كل ما سبق.

وليس المطلوب منا أن نعود بعقارب الساعة عقودًا من الزمان إلى الوراء، فالزمان قد تغير وحركة الاقتصاد تغيرت، ومصالح الناس ومعايشهم تغيرت بالكامل. وليس المطلوب منا الهروب في إجازات من أزمة الوقت التي أصبحت أزمة قلة نوم عند البعض، بل المطلوب هو ألا ينفلت زمام الأمور من بين أيدينا حتى نسعد برمضان شهرًا للعبادة وترويضًا للنفس وتطويرها وتنقيتها وإعادة شحنها بالطاقة النفسية والبدنية لعام كامل قادم.

 

عبدالرحمن أبوالجدايل، هيئة التحرير.
ترحب القافلة الأسبوعية بمشاركة الموظفين في الكتابة لزاوية إضاءة، وذلك لتعميم الفائدة من خلال ما يطرح فيها من أفكار متنوعة تعبّر عن آراء كتّابها.
Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge