ريادة الأعمال في المملكة.. بين الطموحات وتحقيقها

ريادة الأعمال في المملكة.. بين الطموحات وتحقيقها

تحظى ريادة الأعمال بأهمية واسعة حول العالم بوصفها أحد المحركات الرئيسة للنمو الاقتصادي. ومؤخرًا، سلَّطت رؤية المملكة 2030 الضوء عليها كنقطة ارتكاز في إستراتيجيتها للنمو والتنوع الاقتصادي، فضلًا عن أنها تفتح بابًا لتوظيف الشباب وخلق فرص عمل للأجيال المقبلة.

وبهذا الصدد، تحتل المملكة مرتبة متقدمة من حيث إقبال مواطنيها على ريادة الأعمال، ولكن السؤال الذي يجدر الانتباه إليه هو هل يُسفر هذا التوجه الإيجابي نحو ريادة الأعمال عن مزيد من خلق القيمة على هذا الصعيد؟

إقبالٌ تعكسه النتائج

يمكن وصف ريادة الأعمال بأنها إنشاء مشروع تجاري جديد، سواءٌ أكان هذا مشروعًا صغيرًا أو مشروع منزلي، أم كان بحجم يضاهي الشركات الكبيرة، بحيث تخدم هذه المشاريع الأسواق المحلية أو تكون موجهة نحو التصدير.

وغالبًا ما يكون روَّاد الأعمال مصدرًا للأفكار الجديدة التي تُطرح في السوق، غير أن عملية تأسيس مشروع تجاري تتطلب أكثر من مجرد فكرة ممتازة لتغدو ناجحة؛ فهي تستدعي التخطيط الدقيق، والتحلي ببُعد النظر، والدراية بمُعطيات السوق، بالإضافة إلى تأمين مصدر للتمويل والدعم المستمر.

ويُعد المركز العالمي لدراسات ريادة الأعمال (Global Entrepreneurship Monitor) أحد المصادر المناسبة للحصول على معلومات حول وضع ريادة الأعمال، حيث يُصدر استطلاعًا سنويًا يقيس توجهات روَّاد الأعمال وأهدافهم في أكثر من  110 اقتصاد محلي، من ضمنها المملكة ودول خليجية أخرى. ويقدِّم الاستطلاع معلومات حول توجهات البلدان وطرق تعاملها في هذا الإطار، ويقارن بينها من خلال جوانب مختلفة ذات صلة بريادة الأعمال والأنشطة التجارية.

وبالنظر إلى وسائل الرصد المستخدمة لقياس الأداء، نجد أن التوجه الهادف والقدرة على رصد الفرص هما من بين الشروط المهمة لنجاح روَّاد الأعمال، فهما مؤشران مهمان يدلان على مستوى الطموح على صعيد ريادة الأعمال وتأثيره في اقتصاد أي دولة، لا سيما خلال المراحل المبكرة لأنشطة ريادة الأعمال.

وتُظهر النتائج أن أداء المملكة كان جيدًا في كلتا هاتين الفئتين خلال عام 2020م، حيث كان لدى ما يقرب من تسعة من أصل عشرة بالغين توقعات إيجابية بشأن سهولة بدء الأعمال التجارية، وتوفر الفرص في سوق العمل. في المقابل، مثَّل الخوف من الفشل عقبة كبيرة تعيق بعض الأشخاص عن البدء في أعمال تجارية جديدة، حيث تبيَّن أنها شكَّلت مصدر قلق لدى شخص واحد من أصل شخصين، وانطبق الأمر نفسه على دول مجلس التعاون الخليجي كافة.

نظرةٌ مستقبلية

على الجانب الآخر، لا تزال هناك فجوة كبيرة بين الطموح على صعيد ريادة الأعمال والعمل على تحقيقه على أرض الواقع؛ فوجود النية لبدء عمل تجاري قد يكون مؤشرًا مهمًا على مستوى نهوض ريادة الأعمال في اقتصاد دولة ما، إلا أن امتلاك المشاريع التجارية ليس بالأمر الشائع على نطاق واسع بين البالغين في جميع البلدان، حيث يمثل إنشاء عمل تجاري تحديًا لكثير من الأشخاص، وقليل منهم فقط يكون مستعدًا لتحمل المخاطرة.

وبصورة تقريبية، فإن شخصًا واحدًا من أصل 20 شخصًا بالغًا قام بإنشاء أو تشغيل مشروع تجاري جديد في المملكة خلال العام 2020م، وقد كان الرقم مماثلًا لدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. وبالانتقال إلى معدل الأعمال التجارية المملوكة القائمة، التي يتجاوز عمرها ثلاث سنوات ونصف، نرى أنه يسير في اتجاه تصاعدي، فهو الآن أعلى بأكثر من الضعف مما كان عليه في عام 2016م، وقد تمكَّن من المحافظة على استقراره خلال الجائحة.

وبرغم أن رواد الأعمال السعوديون يرون أن بدء المشاريع التجارية أصبح أكثر صعوبة مما كان عليه قبل عام بسبب التحديات التي فرضتها الجائحة، إلا أن نسبة كبيرة تصل إلى 90% من البالغين لا تزال تُعرب عن رغبتها في بدء مشروع تجاري خلال الأعوام الثلاثة المقبلة. وقد احتلت المملكة المرتبة الأعلى في هذه الفئة مقارنة بباقي دول مجلس التعاون الخليجي، التي سجَّلت نسبة تراوحت بين 62% و84%.

لكن هناك تحديًا آخر يتمثَّل في جعل ريادة الأعمال هي النشاط الرئيس للسعوديين من فئة البالغين، فعلى الرغم من أن تقرير المركز لا يقيس هذا الجانب على مستوى المملكة، إلا أنه من المرجح أن يكون الحال مشابهًا لما هو عليه في الإمارات العربية المتحدة، حيث إن نحو 83% من رواد الأعمال الإماراتيين غير متفرغين بالكامل لأعمالهم التجارية، بمعنى أنهم يعملون في مهنة أخرى إلى جانب نشاطهم التجاري، التي عادة ما تكون وظيفة حكومية.

وبناء على ما سبق، فإن المفتاح لتحويل الطموح إلى واقع، يتلخص في خلق بيئة تمكين تُقدِّم المساعدة من حيث التنظيم والتمويل وتوفير المعلومات، إلى جانب العمل على تحسين مستوى التعليم والتدريب في مجالات ريادة الأعمال، ودمجها في قالب تعلم مستمر مدى الحياة. ومن خلال العمل على هذه المبادرات، وبمرور الوقت، سيصبح العمل التجاري بديلًا مجديًا للوظيفة الدائمة.

 

بقلم: ريم الهاشم، وليلى العبد رب النبي، وسلفيان كوت.

Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge